الجمعة، 9 أغسطس 2013






 مستمرة ضدّ بقايا الاستعمار: الثورة المصرية الثانية..  
تحية الى شعب مصر العظيم...
مشاهد اكثر من رائعة تبثها قناة احرار 25 الان : ملايين من الحشود تسد الافاق فيِ مليونيات الشعب يريد    اسقاط الانقلاب , تملأ الشوارع و الناس من الشقق المحاذية يرشوّنهم بالماء رافعين شارات النصر,,,,
اتساءل هل يرى السيسي و جماعته هذه الملايين ؟
و الله لو كان السيسي يملك ذرة كرامة يخرج الان و يعترف بخطئه لعلّه
 ينقذ ما تبقى له من ماء الوجه ان بقي في وجهه ماء ,,
شعب مصر يصنع التاريخ و يعلّم العالم كيف يسترد حريته و يهزم قوى الردة و لصوص الانقلابات .
الان فهمت لماذا قال رئيس الوفد البريطاني : انا معجب جدا بالمعتصمين ...
شكرا لشعب مصر العظيم ,,,,ستنتصرون و ستجعلون هذا الاتقلاب اخر انقلاب على وجه الكوكب , سوف يفكر كل انقلابي جبان الف مرة قبل ان يمد يده لاغتصاب حرية الشعوب.

الاثنين، 4 مارس 2013

نخبة المعدنوس..ومعدنوس النخبة

نخبة المعدنوس..ومعدنوس النخبة

اغنية  من ألحان وغناء الفنان المغترب عماد العبيدي كلمات الأستاذ سالم المساهلي

الأحد، 18 نوفمبر 2012

يا اسلاميو تونس اتحدوا....




يا اسلاميو تونس اتحدوا ...


في هده المرحلة الحرجة التي تمر بها تونس الثورة و امام هدا الكم الهاثل من التحديات الداخلية و الخارجية التي تعيق التقدم نحو بناء دولة حرة ديمقراطية قوية و منيعة يجد فيها كل تونسي مهما كانت انتماءاته الفكرية و مرجعيته العقائدية حريته و كرامته ... يبرز الاسلاميون اليوم اكثر من غيرهم كضمانة هده الثورة ومرتكزهاو سندها القوي بما يمثلونه من امتداد و انتشار فاعل و مؤثر على الساحة... لكن الاسلاميين اليوم على ما هم عليه من حضور ونشاط على جميع الاصعدة السياسية والثقافية و الاعلامية و الاجتماعية ....وغيرها॥ تشقهم خلافات فكرية و مدهبية تكاد تفشلهم و تدهب ريحههم॥لدلك نرى ان حوار الاسلاميين في مابينهم ضررورة ملحة و حاجة لا مناص منها ॥بالحوار يمكن ان ندلل الفوارق و نقرب من وجهات النظر للاتفاق على الحد الادنى الدي يمكن الجميع من العمل سويا لفائدة المشروع الاسلامي

الاسلاميون في تونس من هم ...

ماهي مرجعياتهم الفكرية...

ماهي مشاريعهم و ماهي وسائلهم المتبعة لتحقيقها॥

اسئلة كثيرة سنحاول ان نطرحها على اهم و ابرز التيارات الاسلامية في تونس حركة النهضة حزب التحرير الاسلامي جماعة الدعوة و التبليغ السلفيين الشيعة الصوفية ....و لن نستثني احدا ..

ايمانا منا باهمية وضرورة الحوار بين التونسيين جميعا و بين الاسلاميين خاصة و ضرورة تقعيله ॥تنطلق بوليس مكتف في جملة من الحوارات و المقالات و اللقاءات مع كل الوان الطيف الاسلامي في تونس و الدعوة مفتوحة للجميع للمشاركة و اثراء الحوار ॥على الموقع الالكتروني و صفحتنا على الفايسبوك فمرحبا بالجميع.

بوليس مكتف

السبت، 1 سبتمبر 2012

السامري.....







السامري .....

أسهب القرآن الكريم فى ذكر قصص كثيرة لبنى إسرائيل مع أخيهم يوسف الصديق عليه السلام، ثم مع موسى وهارون عليهما السلام، وفرعون وهامان وقارون، وصولا إلى عيسى عليه السلام، وختاما بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ليأخذ المسلمون منها العبر والعظات.
ولعل من قصص بنى إسرائيل التى يجب علينا التأمل فيها وبخاصة فى هذه الأيام من عمر الثورة التونسية المجيدة، قصة السامرى وعجله ذى البريق الذهبى والخوار العجيب.
وقيل فى اسم السامرى إما أنه صاحب سامر القوم؛ أى أنه من الحواه المهرجين الذين يجيدون الحيل وخداع السذج من الناس -وأميل إلى هذا الرأى- أو منسوب لبلدة تسمى السامرة.

وتبدأ القصة بعد أن رأى بنو إسرائيل انفلاق البحر، تلك المعجزة العظيمة التى نجاهم الله تعالى بها من فرعون الذى كان يسومهم سوء العذاب، وذهب موسى -عليه السلام- إلى ميقات ربه، ليتلقى منه التوراة، وخلّف على قومه أخاه النبى هارون -عليه السلام- فقام السامرى الخبيث بصنع عجل من الذهب الذى قذفه بنو إسرائيل من زينة المصريين التى أخذوها معهم، وصنعه بطريقة تجعل الريح تصوت فى فراغه فتحدث صوتا كالخوار. ثم قال حكاية أثر الرسول يبرر بها موقفه، ويرجع الأمر إلى فطنته إلى أثر الرسول؛ حيث تقول بعض الروايات إنه رأى جبريل -عليه السلام- وهو فى صورته التى ينزل بها إلى الأرض؛ فقبض قبضة من تحت حافر فرسه، فألقاها على عجل الذهب، فكان له هذا الخوار، فقال لهم هذا الخبيث: هذا إلهُكم، موسى ضيّعه فذهب يبحث عنه، فعبدوا بأغلبهم هذا العجل إلا قليلاً منهم، ولم يستجيبوا لنصائح هارون -عليه السلام- فلما عاد موسى -عليه السلام- غضِب غضبا شديدا لدرجة أنه ألقى من يده ألواح التوراة وأخذ برأس أخيه ولحيته، وأقبل على بنى إسرائيل فعنَّفهم ووبخهم، وبعد التحقيق مع السامرى أعلن طرده من جماعة بنى إسرائيل مدة حياته فلا يقربه أحد ولا يقرب أحدا، بخلاف عقوبته عند الله فى الآخرة، ثم قام بحرق العجل وذر رماده فى البحر.

أما العبرة من القصة فهى كما يقول صاحب تفسير الظلال الشهيد سيد قطب -رحمه الله والذى شُنِق ظلما فى الستينيات وما أدراك ما الستينيات- عن بنى إسرائيل إن الاستعباد الطويل والذل الطويل فى ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها، والوفاء بالعهد والثبات عليه؛ وترك فى كيانهم النفسى خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد ألمريح فما يكاد موسى يتركهم فى رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختيار. ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم النفسى. وكان أول ابتلاء هو ابتلاؤهم بالعجل الذى صنعه لهم السامرى.

ولكن تُرى من هو السامرى ألجديد ومن هم أتباعه؟! الإجابة معلومة في ضل تواتر الأحداث في مسار الثورة وظهور السحرة والكهنة وكبيرهم السامري صاحب نظرية الكوع بوع.





محمد المولهي نقابي وناشط سياسي












الأحد، 26 أغسطس 2012

عن اي عدالة انتقالية تتحدثون ........



عن اي عدالة انتقالية تتحدثون

الجزء الثالث بقلم الاستاد عمر الرواني

2) تجارب العدالة الانتقالية :

في بداية الثمانينات : وبعد التغييرات الكبرى في امريكا اللاتينية عند فشل العسكر في ادارة الازمات وفي الاستمرار في الحكم بالحديد والنار ، وقراره بالتخلي عن الحكم للمدنيين ظهر مفهوم العدالة الانتقالية ثم بدأت معالمه تتضح اكثر مع تجارب الثورات في اوروبا الشرقية ، حيث الأحداث قريبة من الحضارة الغربية الحاملة للافتة الديمقراطية وحقوق الانسان ، مما اثار ردود فعل المجتمعات والشعوب الحرة في الغرب وبدأ التفكير بجدية في كيفية التعامل مع ارث تسونامي الثورات في العالم للشعوب الثائرة من اجل الحرية ، وتوضحت معالم ما سمي بالعدالة الانتقالية تقريبا ، ولعلها قد تتضح اكثر بعد الثورات العربية التى نشهدها في ايامنا هاته ، فرغم ضبابية المفهوم ، اذ لا تعريف دقيق وواضح للعدالة الانتقالية ، ولكنها تعرف بالآليات المستحدثة التى تعمل بها وهي صورة معدلة للعدالة الثورية فيها اكثر رفقة بخصوم الماضي ومجرمي الانظمة السابقة ،

العدالة الانتقالية : تعرف العدالة الانتقالية بجملة من المسارات او الآليات المتبعة عبر التجارب التى مرت بها بعض الأمم الخارجة من انظمة الاستبداد الى انظمة ديمقراطية ، وقد تكون متزامنة او متلاحثة في الزمن وتهدف الى معالجة الانتهاكات الواسعة والممنهجة لحقوق الانسان في فترات الصراع او الثورات او في تاريخ الاستبداد السياسي ، وهي تتلخص في اربعة مسارات : كشف الحقيقة ، ومحاسبة المتسببين في الانتهاكات ، ورد الاعتبار للضحايا والتعويض لهم ، ثم المصالحة .

1)كشف الحقيقة هي اولى مبادىء العدالة الانتقالية ، اذ ان الانتهاكات التى تحدث في ظل الدكتاتورية تتسم دائما بالسرية وتسعى الانظمة للتستر عليها واقامة اجهزة خاصة لادارتها والتحكم بها وتحميلها مسؤولية ذلك ، وفي غالب الأحيان فان تلك الأجهزة نفسها ونظرا لتورطها فانها تسعى بعد كل ثورة او تغيير كبير في البلاد الى طمس تلك الأدلة وحرق كل اثر قد يوصل للحقيقة ، وهو ما حدث في تونس مع الفرقة المختصة في الأمن التى كانت تستأثر بالمسائل السياسية ، فاول ما وقع حرقه في كل مراكز الامن هو ارشيف هاته الفرقة ، ولعل ذلك ما يفسر فشل القضاء العدلي في بداية الأمر في الوصول الى أي معلومة تتعلق بشهداء الثورة ، وفي اتخاذ أي اجراء ايجابي في اتجاه محاسبة الجناة ، فكانت الملفات باقية تراوح مكانها ، فلا كانت هاته السلطة مؤهلة للدور المنوط بها ولا مستعدة له ولا كانت ثمة امكانية متاحة للجادين منهم للوصول الى الحقيقة ، فبعض قضاة التجقيق اعطوا انابات للشرطة للتحقيق مع زملائهم المورطين في قضايا قتل المتظاهرين ، فبقيت الملفات عالقة ومجمدة بلا أي اجراء وحتى من باشر التحقيق بنفسه منهم فلم يجد تعاونا من الأمنيين فكانت بطاقات الايداع مثلا تبقى بلا تنفيذ في غياب شرطة قضائية خاصة يخول لها الأمر ، ولم يكن الأمر مختلفا ، بالنسبة للقضاء العسكري ، فلم تكن لدى قضاته الامكانية الكافية المادية والبشرية لدراسة الملفات والبحث فيها بالجدية المطلوبة ولم يجد في الملفات اصلا ادلة فكل الادلة طمست ولم يبق الا ان تصدر احكام بعدم سماع الدعوى عن اشخاص قد يكونوا مورطين في الحقيقة حتى النخاع في جرائم القتل والجرح للمتظاهرين وما عدنا نسمع عن احكام الاعدام التى كان يهدد بها كل من يقف امام القضاء العسكري في القضايا السياسية التى نظر فيها اثناء فترة الدكتاتورية ، فاثارت الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية سخط اهالي الشهداء والجرحى وسخط الشعب عموما ، والحقيقة انها مبنية على عدم الوصول وفشل ذريع في الكشف عن الحقيقة .

ولئن كان هذا حال مصير شهداء وجرحى وضحايا انتهاكات احداث ثورة 14 جانفي 2011 القريبة زمنيا فما بالك بضحايا الدكتاتورية خلال سنين طويلة ماضية فالامر لا شك سيكون اصعب بكثير في مساعي كشف الحقيقة ، خاصة اذا ارتبط الموضوع بضرورة محاسبة المسؤولين جنائيا عن تلك الانتهاكات ، فستسعى الآلة المتسببة في الانتهاكات ، التى وفرنا لها فرصة زمنية طويلة للتتعافي من صدمتها بما حدث ، ستسعى بعد عودة تماسكها وتنسيقها فيما بينها بكل ما اوتيت من جهد لطمس الحقائق ومحو اثارها هربا من التتبعات ، ومع كل يوم يمر يزداد كشف الحقيقة صعوبة ، ولعل كشف الحقيقة هو امر في غاية الآهمية بالنسبة للمتضررين من الانتهاكات اذ في معرفة من قتل وعذب وتسبب في الانتهاك والطريقة التى كانت تتم بها والآليات المتبعة ما يفرج ويهون من كرب المتضررين ويشعرهم بارضاء نفسي مهم ومريح ، ولكن محاسبة المجرمين تبقى هي المبتغي وهي روح تحقيق العدالة بين الناس .

2) المحاسبة : بالتركيز على الواقع التونسي ،

يقول الله تعالى "ولكم في القصاص حياة .." ، فالقصاص هو الحياة بالنسبة للمظلوم كالماء والهواء للكائن الحي ، وان المحاسبة لا تعني فقط تكريس مبدأ عدم الافلات من العقاب وما له من تداعيات مستقبلية على ضمان عدم العود للانتهاكات ، ولكن تعني ايضا ان يأخذ الضحايا حقوقهم القانونية من المتسببين في الانتهاكات والآمرين بها ومنفذيها ومسهلي تنفيذها والمباركين لها والداعين اليها ، وان التباطىء في هذا الأمر سيكون له مفعول جد سلبي على الضحايا ، فيقتل الاحساس بتحقيق العدالة لدى الضحية ويفقد ثقته في الجهات المخول لها ذلك ولا يشجع على الاستقرار والسلم الاجتماعي للمرحلة الانتقالية من الاستبداد الى الديمقراطية وهو ما نلمسه من وزارة حقوق الانسان التى تاخرت كثيرا في موضوع انشئت من اجله كوزارة والا فما حاجتنا اليها ، اذ لم نشهد اطلاق الحوار الا بعد قرابة العشرة اشهر من تكوين الوزارة ، حتى اصبحنا نسمع اصوات من الضحايا يتحدثون عن الاقتصاص الذاتي للمظالم التى تعرضوا لها ، ومنهم حتى من يهدد في الجلسات الخاصة بحمل السلاح ودخول دوامة عنف قد تكون نهاياتها جد ماساوية (اعضاء في لجان اطلاق الحوار الوطني حول العدالة الانتقالية ممثلين للضحايا ) ،

ولكن ربما ان تأتي العدالة متأخرة افضل من الا تاتي ابدا ، خاصة بعد تهميش الموضوع لأزيد من عام كامل وهو عمر الحكومات السابقة لحكومة المجلس التأسيسي ،

ولعل نجاح آلية المحاسبة هو ابرز ما يميز نجاح او فشل تجربة العدالة الانتقالية ، فان نجحت تحدثنا عن نجاح الثورة وعن نجاح الانتقال الآمن الى الديمقراطية ، والا فلا شىء قد يتغير ، ونأمل ان يحدث هذا في تونس وتكون استثناء لتجارب العدالة الانتقالية كلها ، اذ ان المحاسبة تقريبا فشلت في كل الدول التى مرت بالتجربة ، ففي المغرب مثلا لم يحاسب احد مطلقا عما كشفته لجان الحقيقة من فضاعات تتعلق بالتعذيب والقتل والاختفاء القصري وغيرها من الجرائم الخطيرة الماسة بحقوق الانسان وحرمته الجسدية ، وكذلك الأمر في جنوب افريقيا والفليبين والارجنتين وغيرها فرغم تنصيص القوانين على المحاسبة فلا تجد من يجسدها ، الا في بعض الحالات المحدودة لعدد قليل من المتسببين في الانتهاكات ، ولعلنا نرى المشهد يتكرر في الحقيقة في تونس مع تجربة المحكمة العسكرية وقد نجد نفس الأمر لاحقا مع اليات العدالة الانتقالية نفسها ، لأن اسوأ ما في مبادئها انه بحجة حقوق الانسان والحق في المحاكمة العادلة وهي من اهم شعارات الثوار عموما يقع التضحية بحقوق ضحايا الانتهاكات السابقة ، عملا بمبدا ان يفلت الاف من المجرمين من العقاب بحجة فقدان الادلة افضل من ان نرتكب انتهاكا واحدا جديدا بطريقة مخالفة لمبادىء الثورة وخارقة لنبلها وسموها ، وفي كثير من الاحيان يكون الضحية عارفا حق المعرفة بجلاده ومتأكدا من ذنبه ولكن يعوزه الدليل طبق القوانين المعمول بها ،

لذلك فانه لم يقع احترام مبدا عدم الافلات من العقاب في تجارب العدالة الانتقالية عموما ، وهو امر ادى الى استمرار التوترات الاجتماعية في جنوب افريقيا الى اليوم تقريبا وتمطط ملف العدالة الانتقالية في الزمن حتى اصبحنا نتحدث عن عدالة انتقالية بلا حدود " sans frantiere ونتمنى الا يحدث هذا في تونس بطبيعة الحال ، كما ان المغرب ما زال يعاني من ممارسات لا انسانية ولو بصفة اقل ولكن الممارسات ما زالت موجودة مازال تعذيب السلفيين وشاهدنا عمليات قمع وحشية للمظاهرات المطالبة بالتغيير في عام 2011 ، والسبب طبعا هو غياب المحاسبة عن الانتهاكات السابقة .،

ولئن بدا الأمر مفهوما في التغييرات الكبرى التى جاءت على اثر رغبة خاصة من الحاكمين بالتخلي عن الاستبداد او الميز العنصري او حكم العسكر ، مثل جنوب افريقيا والمغرب والارجنتين ، لأن الأمر حدث في ظل تواصل طبيعي للنظام السابق فان الأمر قد لا يكون مقبولا في تونس لأن التغيير حدث نتيجة ثورة شعبية عارمة طالبت بالقطع الكلي مع الماضي وانتخبت لذلك حكومة للغرض اغلبها ممن اكتووا بنار الانتهاكات .

فالمحاسبة تبدو ضرورية في تونس ولا مناص منها وان بمرارة التأخير ، ولا يمكن ان يتزامن مع ذلك الا التعويض للضحايا ، حتى لا يصح يوما قولا مفاده ان حكومتى الغنوشي والسبسي قتلا العدالة وان آليات العدالة الانتقالية لحكومة الثورة جهزت وسهلت مراسم دفنها .

خاصة وان القصاص قد يشمل ايضا بعض ممن كان لهم القرار في النهضة في المحرقة التى تعرض لها انصارها في اختيارهم الخطأ وبالتوقيت والاسلوب الخطا لمواجهة غير متكافئة مع النظام في وقت لم تنضج فيه الثورة ولم تلتحم الجماهير بعد مع ابناء الحركة الاسلامية

رد الاعتبار للضحايا والتعويض لهم : رغم تأخر الحكومة في هذا الجانب ولكن الشعب لم يتأخر في رد الاعتبار للمناضلين ، وتعويضهم معنويا بان انتخب فريقا منهم ممن قضى عشرات السنين داخل الزنزانات وتعرض لشتى انواع التعذيب نجدهم اليوم وزراء ولعل وزير الداخلية الحالي السيد على العريض الوزير الرمز لهاته القضية اذ كان اكثر من تعرض للتعذيب والسجن الانفرادي فهو نبل من الشعب التونسي وتشريف منه واعتراف للمناضلين بنضالهم ، ولكن يحتاج الضحايا ايضا للاعتراف الرسمي ليكمل الاعتراف الشعبي ، بأنهم ضحايا للاستبداد ، وهو نوع من انواع التعويض المعنوى فية اشباع رغبة ذاتية للمتضرر في تعظيم شأنه وهز من معنوياته وتكريم لما بذله من جهد لمقاومة الظلم والاستبداد ، وان نقيم للضحايا تماثيل ورموز تبقى عبرة للأجيال ولاحياء الضمير الجمعي وتنبيهه لفضاعة الانتهاكات ، وفتح امكنة التعذيب او الاعتقال والاخفاء للعموم وجعلها متحف للزوار ومهم ايضا تغيير مبنى وزارة الداخلية رمز التعذيب والمعاملة المهينة في زمن الاستبداد ، وان نكشف له حقيقة الأحداث فهو امر مهون له من محنته ايضا مثلما سبق بيانه ، وكذلك محاكمة من تسبب في الحاق الضرر به ان لم يعف هو ، وهي كلها من مشمولات التعويضات المعنوية الملحة والمطلوبة للضحية وللمجتمع ككل ، ولكن من حق الضحية ايضا ان يتمتع بالتعويض المادي ، ليس ثمنا لنضاله فالنضال ومقاومة الاستبداد لا ثمن له مطلقا ، لأن المناضل اثناء النضال لا يفكر في الثمن بقدر ما تدفعه المبادى والقيم العليا التى يكون مستعدا للتضحية من اجلها وعلى راسها العدالة والحرية ، ولكن التعويض المادي هو مجرد اعتراف من المجموعة بما بذله من جهد من اجلها وما عرض له حياته من خطر من اجل حريتهم وتحقيق العدالة بينهم بكل اوجهها السياسية والاجتماعية ، فمن حقه تعويض يكفل له عيشا كريما في ظل الديمقراطية الجديدة ، وليس ليثري اثراء فاحشا ينهك به الدولة الناشئة ، ولعل التجارب المقارنة للعدالة الانتقالية تخبرنا عن محدودية التعويضات المادية للضحايا وغلب عليها احيانا الطابع الرمزي ، ذلك ان الانتهاكات عادة تكون واسعة الانتشار وتمس اعدادا هائلة من الضحايا ، مما يجعل من الدولة الديمقراطية الناشئة والمنهكة اقتصاديا عادة عاجزة عن تعويض مناسب للضحايا ، اذ طالما اقترن الاستبداد السياسي بالتأزم الاقتصادي .

وكان مانديلا رفض التعويض المادي نبلا منه ، ولكنه في كل الأحوال عرض عليه لأنه حق له على المجموعة ممثلة في الدولة ، وقد يرفض ايضا كثير من الاسلاميين ذلك التعويض ان عرض عليهم ، فما زلنا لا نعرف موقف السيد شورو السجين الاسلامي السابق من مبدا التعويض والذي قضى اكثر من عشرين عام وراء القضبان اغلبها في العزلة ،

المصالحة :

تعني المصالحة انهاء الصراعات بصفة سلمية والعودة للعيش المشترك بين خصوم الأمس بعد كشف الحقيقة ومحاسبة المذنبين ، ولكن قد يجنح كثير من المتضررين بعد كشف الحقيقة الى العدول عن المحاسبة وترك الأمر للعدالة الالهية ، قولا بان الله لا يترك كبيرة ولا صغيرة الا احصاها وسيحاسب المجرمون حسابا من الله في الدنيا ويوم القيامة ، تأسيا برسول الله محمد الذي عفا عن من ظلموه ،

الم يكتب وزير الصحة السيد عبد اللطيف المكي سابقا على صفحات تونس نيوز في عام الفين وخمسة بعنوان " عفو تشريعي عام مقابل عفو قلبي عام "

الا يمكن ان تعوض العدالة الالهية عند الاسلاميين العدالة الثورية والعدالة الانتقالية ، بحجة انهم اهل دعوة وسلام لا اهل سياسة وانتقام ، فيؤثر الديني والمعتقد على الموقف السياسي ،

الا يدخل هذا تحت طائلة ما يعرف ب "سماحة " الشعب التونسي الذي قد يفضل القفز على كل مراحل العدالة الانتقالية وصولا الى المصالحة بين الفرقاء السياسيين ؟

فينسجم ذلك مع من يرفضون المحاسبة قائلين : هل حاكم محمد صلعم من واد البنات في الجاهلية ام من كان يقطع الطرق لما كانت تلك الممارسات قواعد وممارسات شائعة في وقتها ياتيها الجميع ، فكيف نحاسب من تورطوا في نظام سابق كانت تسود فيه قيم تصنف ظالمة وفيها انتهاكات بالنظر للقيم الثورية الجديدة المستحدثة التى لم يدركوا خطورتها الا لاحقا ، ولم يكتشفوا سوء صنيعهم وبشاعته الا بعد الثورة وظهور مبادئها النبيلة ، فهي مبادى ليست رجعية في الزمن ولا يمكن ان تطبق على زمان غير زمانها ، ولكن ربما علينا في هذا المنحى ان نقرا الفاتحة على روح العدالة تاريخا ومستقبلا ونستعد لجولة جديدة من الانتهاكات ، ولكن المرجح انه هاته المصالحة لا يمكن ان تمضى الا بعد استكمال مراحل العدالة المذكورة من كشف الحقيقة ومحاسبة المذنبين ، فيتعايش الخصوم السياسيين بعد اعطاء الحقوق لأصحابها وبعد اعطاء الجيهات حقوقها في الثروة العامة ، فالمظلوم لا يستطيع التصالح مع من ظلمه الا اذا اخذ حقه ، لذلك فان الشعب التونسي اليوم ما زال قاطعا في عزل التجمعيين وكل من ينتمي للحكم السابق خاصة بتأخر المحاسبة .

ضمان عدم العود : المحاسبة هي اول ضمانة واقواها لعدم العود للانتهاكات ، والا فان المنتهك ستأخذه العزة بالاثم ، وقد لا يتوانى عن مواصلة الانتهاك ، وقد يشجع من لم يقم باتهاكات ان يفعل باعتبار امله الواسع في الافلات من العقاب ،

وثاني الضمانات هو الغاء قوانين خطيرة تسببت في الانتهاكات في تونس مثلا الغاء قانون التظاهر البالي الذي لم يعد يصلح ، والغاء قانون الارهاب اللادستوري والذي ينتهك كل الحق في محاكمة عادلة ، وقد سبق الغاء قانون الجمعيات وقانون الاحزاب وعوضت بقوانين اكثر تاقلما مع جو الحرية والديمقراطية ، وفي مقابل ذلك يجب ان تصدر قوانين مشددة ضد من ينتهك حقوق الانسان وحرمته الجسدية وكل حقوقه المدنية والسياسية ولكن هل تكفي ترسانة القوانين والانفراج السياسي لضمان عدم العود ؟ لابد ان يصحب كل ذلك ارادة واضحة لتحقيق اهداف الثورة النبيلة من السلطات الجديدة .

تطرقنا لنماذج محاولات تطبيق العدالة ، فما هو النموذج المناسب لتونس ؟ هذا هو موضوع الجزء الرابع من هاذا المقال .





الأربعاء، 8 أغسطس 2012

,....السياسة والاخلاق او حينما يلتقي المقدس بالمدنس




السياسة و الاخلاق .... حينما يلتقي المقدس بالمدنس...

اذا كان قدر هؤلاء الذين أوصلتهم الجماهير وقادتهم الأقدار قبل ذالك أن يكونوا في سدة الحكم بعد أن أسقطت ثورة جانفي نظام الأستبداد والفساد الذي تفشى كالسرطان في بنيان وكيان هذه الأمة المكلومة ، ويبدو أن قدرهم مواجهة فساد الحكام وتراكماته عبر السنين، وأن يتحملوا فساد النخب والساسة الذين أفسدوا الحكام، وزينوا لهم سوء أعمالهم، وأن يصلحوا فى أيام ما أفسده مَن قبلهم فى دهور، وأن يجاهروا بانتقادهم وشتمهم والتهكم عليهم ويصمتوا، وأن يتجاوزوا الحدود ويلتزموا، وأن يُجهدوهم فيجتهدوا لهم، وأن يتحملوا عبء ما أفسدوه ويصلحوا، وأن يتصدقوا بعرضهم على شعبهم ويسموا، وأن يسمعوا ما يسوءهم ويسكتوا، وأن يصبروا على الأذى ويعذرون، "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ"।
هم يقولون إن السياسة لا أخلاق فيها، ولاقت هذه المقولة ترحيبا كبيرا من عدد من هواة السياسة وصبيانها، حتى عمم بعضهم هذه المقولة على نفسه، فخلط بين السياسة التى لا أخلاق فيها وبين أفعاله وممارساته هو، فبرر لنفسه وللناس سوء أخلاقه مقدما، فالسياسة التى يعرفونها كعلم وكممارسة تدور حيث دارت المصلحة، وتكون حيث كانت الفائدة، بصرف النظر عن الطريقة، ذلك أن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وعلى قول ماركس انما الأحلاق قيد لا معنى له وتبعا لهذه الفلسفة تحلل بعض هواة السياسة وصبيانها من الأخلاق، وتخلى بعضهم عن بعض الذوق والأدب، وتخلى طواعية عن بعض الاحترام، وقلنا لا بأس فى سبيل المصلحة التى يتغنون بها، ولكنهم تحللوا أيضا من السعى لتحقيق المصلحة، فلا هم ظلوا على أخلاقهم قبل ممارسة السياسة، ولا هم حققوا مصلحة البلد التى تحللوا من الأخلاق بسببها، فظلوا يدورون بلا أخلاق فى حلقة مصلحتهم الشخصية، ولا عيب عندهم فى ذلك، فالكذب والتدليس والنفاق والرياء والمناورة والغش كلها مباحات فى ممارسة السياسة لدى البعض من هواتها، واسألوهم عما كانوا يقولون فى العهد الغابر.
كيف بهؤلاء حينما ينتقدون، وحينما يعترضون، وحينما يتلاعبون بالألفاظ، وحينما يتقعّرون فى الكلام، وحينما يظنون أنهم العلماء، وأن كلامهم هو الكلام، وتحذيراتهم هى الصواب، وحينما يريدون أن يوهموا الناس أنهم على الحق، والله إنى لأحترم أحدهم حينما يكون موضوعيا فى نقده، صادقا فى تعبيراته، مهما كان كلامه قاسيا، أما إذا كال بمكيالين، أو ازدوجت لديه المعايير فإنه يسقط من نظرى.. "كجلمود صخرٍ حطَّه السيلُ من عَلِ".
وإن تعجب فعجب قولهم "لا دين فى السياسة"، وقولهم "السياسة بلا أخلاق"، ونحن نريد أن نعرف ما محتوى هذه السياسة التى لا دين فيها ولا أخلاق، وما طبيعة الممارسات السياسية التى ستنطلق من سياسة لا دين فيها ولا خلق، وكيف نصدق هؤلاء أو نثق فى كلامهم، وهم أنفسهم تجنبوا بأنفسهم الدين والأخلاق، فماذا إذن عن ممارسة السياسة فى رمضان؟ ورمضان نفحة من نفحات الله، يعود فيه الناس إلى ما تفلت منهم، ويتمسكون بالأخلاق التى لم يتمكنوا من التشبث بها فى غيره، ألا يختلف الوضع فى السياسة قليلا؟ ألا يقل الكذب والزيف والاتهام بالباطل قليلا، ألا يتنفسون الصدق والحق قليلا، ألا يراجعون أنفسهم قليلا؟ أم سيظل بعض الذين يجتزءون فهما مغلوطا للسياسة يقومون بممارسات لا دين فيها ولا أخلاق فى شهر الدين والأخلاق؟
الى هؤلاء أقول: هذا هو الجو الذى تعملون فيه، وهؤلاء هم القوم الذين تتعاملون معهم، وهذه هى البيئة من الداخل، فإذا أضفنا إلى ذلك الفساد والإفساد الذى تمخضت عنه الفترة الغابرة، حينما كانت السياسة لا تقتصر على أنها لا دين فيها ولا أخلاق فحسب، بل كانت أيضا لا فهم لها ولا عقل فيها ولا ضمير عندها، فأنتم الآن داخل هذا الركام المقاوم لأى إصلاح، وأنت أمام هذا الفكر الناقد لأى عمل، وأنتم تواجهون هذه الفلسفات المعوجة التى تشوه كل جميل، وتفسد كل صالح، ومع ذلك كله نطلب منكم أن تمهدوا التربة، وتبذروا البذرة، وترووها بماء الحياة، وتتعهدوها حتى تنمو، وأن ترضوا كل فرد منا، كما نطلب منكم ألّا تتعبوا، ولا تمرضوا، ولا تشكوا، ولا تكِلوا، ولا تملوا. أرأيتم حالنا وحالكم؟ أنتم تدفعون ونحن نقاوم، ثم نلومكم أنكم لا تستطيعون أن تدفعوا شعبا .
ومع ذلك كله، وفى وسط هذا الجو الملبد بغيوم بغيضة، الملىء بخيالات مريضة، أطلب منكم أن تجعلوهم يرون كيف أن السياسة فيها أخلاق، وأن يشعروا بأخلاق الساسة حينما ينكرون ذواتهم، بل يلمسوا صدق السياسى المحنك، الذى يلوى عنق السياسة نحو فكره وتوجهه، ويطوّع ممارساتها وفق دينه وضميره، ولا تستطيع السياسة بكل قوتها أن تغريه بـ"لا أخلاقها" فإنها سيئة شأن "المرأة الحسناء فى المنبت السوء"، وأن جبروت ممارسيها وافتراءهم لن يستطيع أن يجذبه نحو شىء ولو يسير من تحللهم من الأخلاق.
نحن نثق أن قدرات الإنسان هبة من الله عظيمة، والقوى داخله يمكنها أن تدمر كل فساد بأمر ربها، إن هو أراد.. وسعى.. وتوكل، وإن أعظم ما اكتشفته البشرية فى عصرنا الحاضر هو أن يستطيع الإنسان أن يغير ذهنه وفكره من الداخل فيغير ممارساته ويغير دنياه من الخارج، لأجل ذلك كم أنا متفائل، وكم أحب التفاؤل والمتفائلين، ولذلك أنا أثق أنكم سترينهم –هم وساسة العالم– كيف تكون ممارسات السياسى حين يصدق، وأنكم ستُسمعهم منطق السياسى حين يتكلم، وكيف يكون كلامه عملا.. وفكره أملا.. وثقته كبيرة فى ربه وفى وعده وفى دينه، ثم فى نفسه وفى نجاحه وفى يقينه.
أعرف أنكم ستأخذون بأسباب النجاح كلها ثم تتوكلوا على الله، فالساسة لا يعرفون ماذا يعنى التوكل فى السياسة، فهو معنى دخيل على ذلك العالم؛ لأن أساتذتهم فى الغرب لم يشرحوه لهم، وذلك لسبب بسيط وهو أنهم لا يعرفونه أصلا، وقد حان الوقت الذى تعلموهم فيه كيف يكون العمل والتوكل هو أصل النجاح السياسى.
أعرف أنكم ستتعبدوا الله بممارسة السياسة، فالسياسة تكون عبادة حينما تقوم ممارستها على الانتفاع.. والنفع.. والقرب، شأنها شأن أى عمل يقوم به المسلم، فيكون الانتفاع على المستوى الشخصى ليتمشى مع فطرة الإنسان الذى يحب الخير لنفسه، ويكون النفع للناس الذين جابكم قدركم لتكونوا خداما لهم، ويكون القرب من الله سبحانه ليكتمل التعبد، بهذه الثلاثة تكون السياسة عبادة، ولكنكم إذا سألتم هواة السياسة وعبيدها المخلصين، فإنهم سيتندّرون على التعبد بالسياسة، ذلك أنهم لا يعلمون، ففَرْق كبير بين التعبد بأى عمل وعبادة العمل، والفرق نفسه بين المتعبدين بالسياسة وعباد السياسة، وبين أسياد السياسة وعبيد السياسة، وستكونوا أنتم بإذن الله أسيادها، نحسبكم كذلك، ولا نزكى أحدا على الله سبحانه.
محمد المولهي
نقابي وناشط سياسي

الاثنين، 23 يوليو 2012

تجربة العدالة الثورية -الجزء الثاني-:::

عن اي عدالة انتقالية تتحدثون ..الجزء الثاني-


تجربة العدالة الثورية....


في التاريخ البعيد كانت الثورات والاضطرابات والصراعات تتسم بالدموية فالغالب والمنتصر كان يفعل ما يريد بالمهزوم بلا أي ضوابط ، فلو استثنينا تجربة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال لمن نصبوا له المكائد وحاولوا قتله وحاصروه وجوعوه وعذبوا اصحابه وقتلوهم ، قال لهم لما فتح مكة منتصرا " اذهبوا فانتم الطلقاء " واكتفى بالقول لمن قتل " حمزة بن عبد المطلب " ولّى وجهك عنيولم ينصب لهم المشانق ولم يحاسبهم على ما سبق ، ولكن ذلك تصرف نبوة ظل شاذا قياسا للصراعات الأخرى في تاريخ البشرية وخاصة في التغيرات الكبرى كالثورات ، فتليها دائما تصفيات واعمال قتل عشوائي لكل الخصوم بقطع النظر عن البحث عن الدور الذي كان يلعبه كل مشتبه ، فلا يختلف الحاكم الجديد في ممارسة القتل والتعذيب عن الحاكم الذي سبقه ، فيسقط ملايين القتلي ولا مسؤولية لأحد .


حدث في الثورة البلشفية في روسيا ، كما حدث في الثورة الفرنسية ام الثورات الحديثة المبشرة بالحرية والديمقراطية ، فقد تلاها قطع رؤوس الاقطاعيين ورجال الدين وسالت دماء بلا حدود ،


وفي منطقتنا العربية ، في مصر عبد الناصر وكل الأنظمة القومية الثورية (ليبيا والعراق وسوريا ,غيرها ) صدرت احكام بالقتل ونفذ القتل بلا احكام احيانا لمجرد شبهة مناصرة الآنظمة المهزومة ، ولم يختلف الوضع في ايران الامام الخميني رحمه الله ، فكانت تنصب المشانق لكل الذين كانوا جزءا من نظام الشاه بقطع النظر عن مدى حيز المسؤولية بالضبط التى كان هذا او ذاك يضطلع بها


فالى حدود اواخر السبعينات ومع نجاح الثورة الايرانية ، كانت الثورة تعني تصفية كل من ثار الشعب ضدهم من مسؤولين ، دون عناء البحث عن مدى تحقيق العدالة في حق هؤلاء ، ودون الالتفات كثيرا الى مدى مسؤولية كل فرد عما ارتكب من فعل شخصي وانما يحمل كل واحد مسؤولية جماعية عن الانتهاكات والفضائع في نظام سابق كان جزءا منه دون بحث عن الجرم المنسوب له شخصيا ،


كل هاته الفترات لم تنضج معها افكار حقوق الانسان ولم تولد مفاهيم ما يعرف بالعدالة الانتقالية بآلياتها النمطية والتى اصبحت تشكل استراتيجيا عالمية ومطامح شعبية كبرى للتعامل مع ارث انتهاكات الماضي ، ولكن لم يمت هذا النوع من العدالة في وقتنا الحاضر ، فقد وقعت عدة تصفيات وانتهاكات خلال الثورة الليبية ، كما نجد اليوم في مصر من يدعو الى العدالة الثورية خاصة بعد فشل القضاء في ادانة المتسببين في الانتهاكات بتبرئة نجلي مبارك ، بل وصل الأمر باحد نواب مجلس الشعب مصطفي النجار – عن حزب العدل - تقديم مشروع قانون للمجلس سماه" مشروع قانون العدالة الثورية " لا يختلف في مضمونه عما كان يحدث في تجارب العدالة الثورية التى سبقت الاشارة اليها .


ايجابياتها


فما يميز هذا النوع من العدالة "الثورية " ، هو سرعة التعامل مع ارث الماضي وهو امر ينشده المظلومون والمتضررون من الانتهاكات السابقة ، فلا يكادون يجدون مجالا للصبر ، فهم يظلون ينتظرون طيلة عمرهم النضالي مثل تلك اللحظة التى يحصلون فيها على حقوقهم ، فتشفى صدورهم وهو ما يساهم في اشاعة الطمانينة لدى الناس ، ويؤدي الى تحسن وانفراج ويساعد على الاستقرار والرضى العام ، بعدم افلات المجرمين من العقاب ،


فبمجرد صدور حكم مما يسمى بالمحاكم الثورية باعدام شخص واحد ثبت تورطه في جريمة قتل فانه يشفي غليل عائلة الضحية وعوائل كل الضحايا والناس عموما ويشعرهم بالعدالة فينتظرونها ويأملون بها كثيرا ، كما يؤدي الى انهاء كلي لفلول الثورة المضادة ، كما نجحت تلك التجارب الى حد ما في تحسن الوضع الاجتماعي للفئات الضعيفة ووجود طبقات وسطى واسعة العدد وتقلص ظاهرة الفقر والخصاصة عموما وشهدت تدخلا قويا للدولة للحد من البطالة وتاميم المنشئات الكبرى .


سلبياتها :


ولكن كثيرا ما تنزلق العدالة الثورية الى ظلم وانتهاكات "ثورية" ، فنظرا لسرعة عملها واستثنائية المحاكم التى تنشأ للنظر في انتهاكات الماضى وطبيعة تركيبتها الموالية للثوار ، فتجدها اقرب الى التركيز على الانتقام من سلوكيات الحكام والمسؤولين السابقين ، فبولائها للمنتصرين فانها قد تاتي على المذنب وعلى البرىء وقد تأتي على المذنب باكثر مما اذنب فتضمحل اهم مبادىء المسؤولية الجنائية وهي شخصية الجريمة وشخصية العقوبة ، ويعاقب الفرد طبق مسؤولية جماعية للنظام الذي كان ينتمي اليه وقد لا تكون له احيانا اية مسؤولية شخصية مباشرة عن الانتهاكات الكبرى ، فمجرد الانتماء للمنظومة القديمة يضع في جانبه قرينة ادانة بدل قرينة البراءة التى يتمتع بها كل الناس في الأوضاع العادية ،


بل وقد تنزلق تلك العدالة الثورية الى رفاق الأمس انفسهم فتصح مقولة ان الثورة تأكل ابناءها ، فيصبح كل مخالف للراي هدفا ايضا للمحاكم الثورية ، حدث في مصر عبد الناصر وايران الامام الخميني رحمه الله وفي كل العدالات الثورية تقريبا ، وفي كل الأحوال فان هاته التجارب خاصة في التغيير بالانقلابات قد تفرز رجوعا الى الانتهاكات وبطرق مختلفة واحيانا بطريقة اشرس واشد من الانتهاكات السابقة ، (مصر عبد الناصر والسادات ومبارك ) ، وليبيا القذافي وسوريا الأسد ، فكلها ظهرت مبشرة بمبادىء الحرية والعدالة ومقاومة الفقر والظلم وتحولت الى دكتاتوريات مقيتة ، وتصل في نهاياتها الى افقار الشعب باكمله وطغيان فئة او طبقة حاكمة ضيقة العدد مستبدة سياسيا وتستأثر بكل خيرات البلد اقتصاديا .


ومن ثمة كان البحث عن طريقة افضل واكثر عدلا للتعامل مع ارث انتهاكات الماضي للسلط المستبدة فظهرت مفاهيم ما اصبح يعرف بالعدالة الانتقالية وهي موضوع الجزء الثالث من هذا المقال