مر الكلام


مؤتمر .... من أجل المؤتمر ...


جمع المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة الدكتور المرزوقي ثلة من خيرة رجالات تونس وأكثرهم شراسة في مواجهة الاستبداد النوفمبري ، وقد كلفهم ذلك السجون والمنافي والمضايقات ، وساهموا في تعرية النظام وجرائمة حتى قيام ثورة شعبية ازاحته .

ولما شكلت الانتخابات الماضية في جزء منها "رد جميل" من الشعب التونسي لمناضليه الحقيقيين واعترافا لهم بذلك ، فقد حصد المؤتمر ثاني اكثر المقاعد في المجلس التأسيسي بعد النهضة ، ليشكل معها ومع التكتل لاحقا " ترويكا " امسكت بزمام السلطة .

ومن ثمة بدأت تعقيدات المؤتمر ،

فلئن تأسس المؤتمر من أجل الجمهورية مثلما يدل عليه اسمه لاعادة احياء مباديء الجمهورية من ديمقراطية وحرية وتبادل سلمي على السلطة بعدما انحرفت الجمهورية عن مسارها لتصبح اقرب الى الملكية المستبدة بغلاف جمهوري وهو ما اسماه الدكتور المرزوقي ب " الجملكية " ، فان نشاط الحزب بعد تأسيسه تركز على مقاومة الاستبداد باعتباره العقبة الكبرى امام بناء " الجمهورية الفاضلة " ولم يكن للحزب أي تصور واضح المعالم لهاته الجمهورية ، ولم يكن ذلك اصلا من اولوياته ، فكان الهدف هو تجميع وحشد أكثر عدد ممكن من المناضلين المستعدين للتصدي للاستبداد واسقاط النظام الذي " لا يصلح ولا يصلح" بحسب التعبيرة الشهيرة لرئيسها الدكتور المرزوقي ،

وفعلا تجمع داخل الحزب عدد كبير من المناضلين من كل المشارب الفكرية والسياسية ، حتى أن المرزوقي كان يفتخر بأن الحزب استطاع تجميع اليساريين والاسلامين والقوميين جنبا الى جنب ،

ولكن لم تصمد هاته "الخلطة" طويلا ، فلئن كان ممكنا أن يجتمع هؤلاء لمواجهة الاستبداد لأن الهدف واحد وواضح ويلتقى عليه الجميع تكتيكيا ، فلن يكون لقاؤهم استراتجيا ، وليس ممكنا ان يلتقوا في تصور مستقبل دولة ما بعد الثورة ، وذلك لتناقض مرجعيات كل منهم ، فبمجرد الاطمئنان الى السقوط النهائي للنظام النوفمبري بظهور نتائج انتخابات 23 اكتوبر 2011 ، بدأ الخلاف داخل الحزب يطفو الى السطح ، وتداخلت لدى مناضليه تصورات بناء الدولة فتغلب الطبع لديهم على التطبع ، وبدا حنين كل منهم الى موطنه الأول ،

فبرز الشق القريب من الاسلاميين وهو الشق الأكثر استفادة من توزيع الحقائب الوزارية والمناصب السياسة العليا داخل السلطة الناشئة ، خاصة وأن سنوات السجن المقضاة في العهد السابق اصبحت هي مقياسا وحيدا تقريبا للصعود السياسي ،

واعتقد الشق المتبقى أن الحزب انصهر في النهضة ، وان حلم جمهوريتهم المدنية الفاضلة أصبح مهددا ب "الخلافة الراشدة " ،

خاصة وأن رئيس الحزب حقق المراد واصبح رئيسا للدولة ونال "اقصى ما يحلم به انسان "(بحسب تعبير المرزوقي نفسه يوم توليه الرئاسة امام المجلس التأسيسي ) ثم استقال فورا من الحزب واقعا وقانونا .، واقفا على الربوة من حزبه ومن السلطة مكتفيا بصلاحيات تشريفية قد لا تحقق طموحه السياسي اللامحدود .

ومن ثمة انشق الحزب وانشق داخله حتى "الصفاقصية" الذين يصعب انشقاقهم ، فقسم منهم نعم بالسلطة معتقدا انها طريقا آمنا لتحقيق مبادىء الجمهورية وقسم آخر قرر البقاء مناضلا شرسا من أجل بناء نفس الجمهورية ،

فخسر المؤتمر ، وتشتت قواعده وفقدت ثقتها في قياداتها ،

وخسرت النخبة السياسة التى ما زالت تعيش على عقلية الصراعات الايديولوجية العقيمة والمحنطة والتى برزت حية كأنما ولدت توا من رحم السبعينات ،

وخسرت تونس في الحقيقة حزبا وسطيا كان من الممكن ان يجتمع حوله رهط كبير من التونسيين بمرجعياتهم المختلفة ، وكان مرشحا لأن يكون له دور كبير في احداث توازن سياسي تحتاجه تونس في الاستحقاقات الكبرى القادمة ، ليترك فراغا قد يسيل لعاب بقايا الدكتاتورية في ملءه .

ونتمنى الاّ يكون قد فات الأوان لنقول :
أن المؤتمر من أجل الجمهورية في حاجة الى مؤتمر من أجل المؤتمر ،


الأستاذ عمر الرواني محامي .