مشاكسات

انتهازية النخب و  الانتحار السياسي

ضاهرة قديمة جديدة تعود اليوم لتطفوا على الساحة السياسية في تونس مابعد 14 جانفي وهي ليست بالغريبة ولكنها تتصاعد اليوم في الطبقة السياسية أحزابا ونخبا . وكأن هذه الأطراف لم تستفد من دروس الماضي القريب في تحالفها مع بن علي و تأكد أنه لازال يوجد في أوساط بعض من المثقفين الذين يعيشون حالة من الضياع والانهزام الفكري ولا يمتلكون هوية فكرية سياسية واضحة ألمعالم يسارا أو يمينا تكون دليل عمل وفلسفة وإستراتيجية في الأنشطة والبرامج السياسية والثقافية .


المصيبة الكبري أنك تقرأ للبعض من هؤلاء المثقفين تنظيرات فكرية في شتى المجالات والميادين. والبعض الآخر منهم يعلن بأنه يساري عندما يجتمع مع القوى اليسارية والتقدمية ألعربية وقومي عندما يجتمع مع القوميين العرب ويلعن الماركسية واليسار عندما يجتمع مع الإسلاميين. الرؤى ضبابية في تحديد ألمواقف وهذا راجع إلى الخلفية الفكرية والثقافية التي نشأ وترعرع في أحضانها ذلك النوع من المثقفين. فغياب المنهجية العلمية ينتج عنه خلل في التحليل السياسي ويؤدي بذلك المثقف أو ألمثقفين إلى الإيمان بمنطلقات وأسس غير واضحة الفهم وتزداد صعوبة وتعقيدا عندما تختلط عليه الرؤى السياسية وتدفع به إلى الاتجاه نحو اللا فكر واللاوعي علميا وفلسفيا. فلا يكون لديه اختلاف أو تباين مع أي قوى اجتماعية وسياسية وبالإمكان الاتفاق معها في قضايا مجتمعية عديدة، طالما أن ذلك المثقف لم يحدد معالمه الفكرية فالتجاذب والتقاطع والتداخل مع فكر مغاير ليس صعبا عليه والذي يستطيع من خلاله بأن يرسم رؤاه السياسية وفقا لتلك العلاقة القائمة والمصالح المتداخلة والمتبادلة وان اختلفوا في المنابع والمدارس ألفلسفية كما إن الاختلاف والتباين عادة ينشأ من الموقف من الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي ومنظمات وهيئات المجتمع المدني والحريات العامة حرية الرأي والفكر والتعيير والحرية الشخصية والموقف من المرأة وحقوقها السياسية والشخصية .


ونسأل هل المثقفون والتيارات السياسية الذين تتبدل وتتغير مواقفهم وأفكارهم، وفقا لمعطيات ومتطلبات معينة، قادرون على إعطاء الأجوبة على تلك الأسئلة العديدة،؟ ما هي هويتهم ؟، وهل الديمقراطية النسبية تشكل بعدا لبلورة وعي سياسي وديمقراطي في المجتمع ؟، وهل تبنى التحالفات من أجل مشاريع ؟؟ أم هي غاية من اجل تحقيق هدف؟ من هم الحلفاء السياسيون في هذه المرحلة ؟، وكيف ينشأ التحالف السياسي ؟، وما هي شروط ومعايير تأسيس تحالف سياسي ؟، ومن هي القوى الاجتماعية التي تتكون منها التحالفات؟ وهل تحالف قوى يسارية مع قوي معادية للثورة كانت ممارساتها قبل الثورة استبدا دية قمعية من خلال ممارستها للسلطة هو تحالف استراتيجي يستقيم مع مرجعيتها الثورية ،؟؟ أم هو تحالف تكتيكي مرحلي فقط من أجل هدف قصير لا غير ؟ وما هي التجارب والخبرات المستفادة من الماضي عندما تسابق البعض لتحقيق أكبر المكاسب السياسية بعد الهزيمة في الاستحقاقات الانتخابية وفشل مسعاها للقرب من الجماهير والقوى الشعبية الغير قابلة للرجوع الى مربع اللامبالات والمشاركة الفعلية في صنع القرار عبر التفويض الديمقراطي، رافعا شعارا واحدا هو استحقاقات المرحلة السابقة من حق تياره؟ على المثقفين التفكير عميقا في كيفية التعاطي مع متطلبات هذه المرحلة ألانتقالية التي حدثت فيها الكثير من الأخطاء والثغرات. من هنا تكمن الأهمية والضرورة في مشاركة الآخرين في صياغة الدستور الجديد الذي سيتنظم مسيرة حياتهم ومستقبل الأجيال القادمة والعمل على استقرار التجربة وضمان نجاحها عبر احترام القانون وتصفية الارث الاستبدادي وحماية المشروع من القوى المتربصة به والتي تحاول الالتفاف والعودة للساحة عبر استغلال الانتهازية السياسية المتفشية عند القوى الخاسرة في العملية الانتخابية ... وتساهم في رقي المجتمع والإفراد أما التجاهل للقوى الاجتماعية الحية في ألبلاد فيفتح الطريق أمام سيادة الأفكار الشمولية والأحادية. فالفكر الجماعي والواقعية السياسية عوامل وعناصر مساعدة على تخطي العقبات والمشاكل والأزمات التي تواجه المجتمع. على المثقفين والنخب الذين يتهربون من التعاطي مع القضايا السياسية بشجاعة نادرة أن يتعلموا ويدرسوا جيدا مبدأ النقد والنقد الذاتي الذي يعود الفرد والجماعة على الثقة بالنفس ويعطي لهم المصداقية في حياتهم السياسية،


وان يبتعدوا عن سوق التهم والنعوت جزافا للآخرين الذين لا يتوافقون معهم في ألرأي والابتعاد عن المزايدات السياسية، فالمعادلة صعبة. ولن يجدي هؤلاء اليوم اللعب بالنار في المسعى الانتحاري عبر الهرولة نحو الدساترة والتجمعيين الذين يتوثبون اليوم الى ظهور هؤلاء للصعود فوقهم ثم سيدوسونهم بأحذيتهم اذا تمكنوا مجددا من مفاصل الدولة .


محمد المولهي
نقابي و ناشط سياسي