الأحد، 29 أبريل 2012

اعلام مابعد الثورة...الدونكيشوت و طواحين الهواء


اعلام مابعد الثورة...الدونكيشوت و طواحين الهواء


قناة 7 تشد الناطرين
 ان الارتباك الذي يبدو عليه الاعلام العمومي اليوم يذكرنا بالحالة التى كانت تميز نظام بن على في ايامه الأخيرة ، وان نشرات الأخبار التى نراها على شاشتنا تعيد الى اذهاننا سنوات الجلد الممنهج الذي مارسه الاعلام على شعب بأكمله ،


وان حالة التوتر وفقدان الأعصاب هذه توحى بأن الاعلاميين يستعدون فعلا للرحيل او على الأقل هم على يقين بأن ايامهم باتت معدودة ، وأن حلمهم في الاستمرار على العهد الذي كانوا عليه قبل الثورة اصبح امرا غير ممكن ، خاصة في ظل علاقات دولة وطنية افرزها صندوق الاقتراع بعد ثورة شعبية اسقطت نظام حكم كان هذا الاعلام احد اذرعه الطولى الى آخر لحظة في انفاسه ،

وبعد شعور التونسيين بأنه آن الأوان لهذا الاعلام ان يلم حقائبه ويلحق "صانع التغيير" ، وان يتوقف نزيف الاموال التى ينهبها القائمون عليه من عرق ابناء الشعب في حين انهم في حالة اغتراب كلي عن اماله وطموحه ، وهو ما جسده الاعتصام المفتوح امام مبنى التلفزيون الذي قارب شهره الثاني للمطالبة باعلام عمومي جديد في مستوى شعب ثائر ،

ولم يفلح المعادون لتغيير المشهد الاعلامي في فكالاعتصام الا صبيحة اليوم رغم اعتماد كل السبل بدأ بتحريض فاشل للأمن الذي تأهل بسرعة للتعامل مع الاوضاع الجديدة خلافا لكل التوقعات وصولا الى اساليب البلطجة التى يعتمدها المعادون للثورة من اعتداء وحشي على المعتصمين سواء من قبل العاملين بالتلفزيون اوما خططت وجندت شبكة مناصريهم من تجمعيين سابقين او انصار الثورة المضادة ممن يسمون انفسهم بالحداثيين اليائسين من ثقة الناخب التونسي ، واصبح شعارهم غير المعلن جميعا سقط نظام بن على وسقطنا معه الى الأبد ، فلتسقط الدولة وليسقط الجميع ، فعلي وعلى اعدائي ولا معنى للوطنية التى تخذلهم فيها الانتخابات وهم ملاك الحقيقة المطلقة ، ثم اليست الدولة في معتقدهم اصلا عقبة في وجه امتلاك الطبقة الكادحة للثروة والسلطة فلا نحتاج للدولة ولا نحتاج ايضا للسؤال من تكون هذه الطبقة التى يجب ان تتسلم الثروة والسلطة ، هي بالتاكيد ليست العمال الذين يظلون في مصانعهم وفي ضيعاتهم مهما كبرت الثورات ، ولكن سينوبهم تجار الثورة اوالثورجيون الذين نراهم يملؤون موائد حوار الزعاماتية السياسية ،

وما زال التونسيون يذكرون انه حين كان يقتل ابناؤنا في القصرين وسيدي بوزيد وباقي المدن كانت التلفزة تبث اغاني الأمن والأمان ، وتستنجد في حواراتها باليسار " الثوري " بواسطة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ليثمن رئيسها " مختار الطريفي " آنذاك خطاب "فخامة الرئيس " غير عابىء بدم التونسيين الذي كان يسيل في كل مكان ،

ولم يجرؤ أي ممن نراهم الآن يحملون عباءة الثورة من الاعلاميين على اتخاذ أي موقف رجولي وشجاع كالاستقالة مثلا ، بل على العكس كانوا يدافعون بشدة عن بقاء النظام وهو ما كان وما يزال يعني لديهم بقاء شبكة مصالح واسعة تدر عليهم اموالا طائلة من خزينة الدولة لتمويل برامج وانتاجات تافهة لا علاقة لها بانشغالات المواطنين وواقعهم ولا تعبر عن تطلعاتهم ولا تنسجم مع خياراتهم التى عبر عنها صندوق الاقتراع من تمسك بهوية هذا الشعب وتاريخه وانتمائه العربي الاسلامي .كما لا تعبر ايضا عما تتطلع اليه الفئات المستضعفة من اهتمام بمشاغلها الحقيقية وخاصة في مناطق الشمال الغربي المحرومة ، فلم نر مثلا تحقيقا صحفيا واحدا يهتم بعمل صغار الفلاحين او التجار او الحرفيين والمشاكل التى تعترضهم والبحث عن سبل تجاوزها ، والحجة عندهم بعد اللوم دوما "قلة الامكانيات " ،

في حين اننا نرى الامكانيات كلها متوفرة لتتبع نشاط قاطعي الطرق في كل بقعة من تراب تونس وتجرى معهم الحوارات ويعتبرهم المعلق احيانا ابطالا وثوارا ، ويغطى قسم الاخبار نشاطهم في حدود تزيد عن نصف المدة المخصصة للنشرة ، في الوقت الذي يهمل فيه نشاط يهم تطلعات شعب باكمله وانتظاراته قد يقوم به رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او احد وزرائه الذين منحهم الشعب ثقته ، دون الدخول في المجاملات ورمي الورود ولكن ان نسوق الحقائق كاملة ونترك للشعب الحكم ،

ولا شك انه لو جاء هؤلاء الوزراء بغير الانتخاب لراينا بالتأكيد موقف الاعلام العمومي منهم مختلفا تماما ، فعندما خلع بن على زعيمهم المفدى بورقيبة الذي مدحوه طيلة 30 عاما ، خلعوا عنهم فورا جبة "الزعيم الملهم محرر العباد والبلاد وصانع الامة من غبار " ولبسوا عباءة "صانع التغيير" ذلك ان مصالحهم وقتها لم تكن مهددة ولا توجد ثورة شعبية لتحاسبهم ، وتوقف نزيف التمويل العمومي الذي يتمعشون منه ،

ويذكر التونسيون ايضا انه لما كان الشعب ثائرا في كل بقعة من تراب الوطن كنا نشاهد على "تونس سبعة "طول الليل مجموعات قليلة جدا من الميليشيات المخمورة للتجمع سىء الذكر ، اقرب الظن انها هي نفسها التى تقطع الطريق اليوم ، كنا نراها تتراقص وتهلل ابتهاجا بخطاب من كانوا يطلقون عليه " فخامة رئيس الجمهورية " ،

فكيف يمكن لهذا الاعلام العمومي ان يفرط في امتيازاته الجسيمة التى كان يتمتع بها قبل الثورة من "صانع التغيير" ، وما ارساه من ثقافة الانتهاز " اغرف ما دامك في العين " ، لذا فهو يدافع عن عودة تلك الثقافة ويشد الى الخلف دون أية علاقة باي مبدا ، فمبدؤهم الوحيد هو مزيد نهب اموال الدولة وابتزاز تجار السياسة ، ومن لا يقبل الابتزاز يعلن عليه اعلامنا العمومي "الموقر" الحرب ،

ان اعلان الحرب من الاعلام العمومي على ارادة الشعب في التغيير الحقيقي هو بمثابة انتحار لهذا الاعلام ، فهو لم يفهم الدرس من ان ارادة الحياة والحرية لدى الشعوب كالطوفان لا يقف امامها شىء اذا ما تحركت ، ولعل هروب المخلوع في 14 جانفي 2011 اقرب دليل ، ويبدو ان الفرق بين المخلوع واعلامه ان الأول فهم بسرعة ان عليه الرحيل فتجنب سيول الثوار الجارفة والثاني لم يفهم ولم يتعض ، وما زال يعتقد ان الاعلام ملك للقلة الانتهازية التى تسيطر عليه وتتحكم فيه وليس ملكا للشعب كافة بكل اطيافه واختلافه لا تفرقة بين سلفي وصفري ولا بين حداثي او نهضوي ولا بين سكان حي النصر وحي الشريش بالكاف ولا بين حكومة ومعارضة ولا بين جمعية ذات خلفية " حداثية " واخرى ذات خلفية وطنية ، ولا بين مواطن ورجل سلطة ولا بين فلاح او عامل وموطف او رجل اعمال ، ولا فرق ايضا بين عامل بالتلفزيون ومعتصم امام مبنى التلفزة مطالب بسحب الثورة على التلفزة فلكل منهم الحق الكامل في الاعلام العمومي والمهنية الحقيقة تقتضي معاملتهم جميعا على خط سواء وبنفس القدر من الأهمية بحسب ما يقدم كل منهم لمصلحة الوطن ويكون ترتيب الخبر واعطائه الأهمية بحسب اهتمامات وانشغالات غالبية التونسين وليس بحسب الولاء لطائفة معينة هي "مقدم" او "وصي" على باقي الشعب وتلقنه دروسا صباحا مساء في الحداثيات المزيفة ، وهو الذي منح ثقته باغلبية ساحقة للأصالة والهوية رغم كل اشكال الدمغجة ، حتى قيل عنه انه شعب لا يفهم وغير مؤهل للالختيار الحر واستعصى عليهم فهمه كما استعصى على اسيادهم من قبل ، فالشعب في وادي وهم في وادي آخر والهوة تكبر يوما بعد يوم .

ولعل السبب يعود الى انه كان اعلاما ملكيا اكثر من الملك ، فنظرا لحساسية القطاع وخطورة استخدام الاعلام لاطالة امد الدكتاورية والتغطية عليها وتلميع صورتها فقد كان من الصعب جدا قبول اعلاميين للعمل بالمؤسسات العمومية دون التأكد الشديد من قوة الموالاة ل "صانع التغيير" ونقاوتها نقاوة تامة ، ونظرا لقلة عدد هؤلاء الاعلاميين (بضعة مئات " بالمقارنة مع المؤسسة الامنية التى تضاهي الاعلام حساسية مثلا (عشرات اللآلاف ) ، فقد أمكن السيطرة على كل من يدخل الى الاعلام العمومي فلن يكون الا نقيا شديد الولاء لبن على ولثقافته المنحطة ومستواه الهابط ف "دلّت البعرة على البعير" كما يقول المثل العربي ، وغلب الولاء على المهنية والكفاءة في القطاع ، بل لم يكن الصحافيون يشتغلون كصحافيين فكانت التقارير الاخبارية والبرامج الحوارية تملى تقريبا بالكامل من الجهات الأمنية وكان صحفيو الاعلام العموميى في حالة بطالة ، ما عدا البرامج الاستهلاكية التافهة التى لا تحتاج الى أي زاد معرفي ، حتى اننا وجدناهم بعد الثورة الحلقة الأضعف في الحوارات الجارية ويلجؤون كالعادة الى اليسار المنقذ فترى على موائد النقاش السياسي التى يقدمونها مذيعا لا يفيد بشىء ولا يحسن حتى اختيار السؤال لضعف ثقافته وتدني مستواه العلمي والمهني لأن بن علي ورّثه "البهامة والتّسطيك " ... وثلاثة من الانتهازيين ذوى الثقافة التجمعية ...وثلاثة حداثيين من اليسار بانواعه ، و"يفوحوها " بواحد نهضة او مؤتمرا يكون عادة قد قضى عشرية من سنوات السجن في عهد المخلوع لرجولته ووقوفه صامدا امام آلة القمع دفاعا عن الحرية ورفضا للانحناء ،، ليكون متهما امام لجنة تحقيق موسعة مكونة من "شرفاء بن على " وتجار السياسة " الذين يريد ان يصنع منهم الاعلام رموزا ، وعادة ما يهزمهم رغم التوزيع الظالم للكلمة فيلوكون نفس الكلام لساعات ولا يمنح الا دقائق معدودة تكون مؤثرة جدا واقوى حجة واقناعا لصدقها ، يقول الله تعالي " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق "

فلن تنجح رموز الورق المغشوش في شعب ثائر ، فاتهم القطار ولن يستطيعوا تزوير التاريخ لأنه ما زال على مرمى حجر من اعيننا ، ما زلنا نذكره جيدا ولا نحتاج الآن الى مؤرخين ...ونعرف من انتصر للشعب ومن خذله ,,ونعرف من ثار ضد الظلم ومن انتظر حتى انقشع الظلم ليشهر سيف الفتنة ولسان حاله يقول سقط النظام وجاء دور الدولة ...

والمؤكد لدينا ان الاعلام العمومي مستعصى عن الاصلاح ولا يمكنه ان يقدم للديمقراطية ما قدمة لستين عاما للدكتاتورية ولا يمكنه حتى ان يبكي ندما على ما فات ، ذلك ليس لأنه مناضل ووطني طبعا...ولكن لأنه كرة مغلقة تتكون من جنس واحد و من الصعب ايجاد مجموعة وطنية صادقة داخلها تنادي بذلك مثلما حصل في باقي القطاعات التى قاد عملية اصلاحها ابناؤها انفسهم ، لذلك يجب التفكير في استبداله بالكامل ، وهو راي ادى الى تلويح البعض بفكرة الخصخصة القانونية استكمالا لوضعها الفعلي الفئوي ، ، وهذا لا يعني الاستغناء عن الاعلام العمومي بل تأسيس اعلام عمومي بديل جديد ما دمنا في طور التأسيس وذلك ببعث قناة وطنية تكون ملكا لكل الشعب وتمول من المال العمومي ولكن يجب ان تكون لكل التونسيين وليس للتسويق لأي حزب حاكم مهما كان حتى لا يكون العود على بدء ..والحزب الذي يريد بوقا له فله ان يمول قناة من ماله الخاص ويفعل بها ما يشاء ...ويترك قناة الشعب للشعب .

وفي انتظار ان تلفظ تونس سبعة والاعلام العمومي انفاسه البنفسجية وفي انتظار تأسيس اعلام في مستوى طموح الثوار والكادحين والمحرومين وكل ابناء الشعب ، ونشعر انه منا ونحن منه ،،من طينتنا ، يشبهنا ونشبهه ، ولا نشعر ان كل شىء فيه من كوكب آخر بعيد عنا ومن زمن آخر غير زماننا الثورى ، في انتظار ذلك هذه نصيحة لذوى الحساسية الوطنية المفرطة :

الرجاء عدم متابعة نشرات الأخبار وموائد حوار القىء السياسي /مع اعتذاري على فضاضة التعبير / على تونس سبعة خوفا من ارتفاع ضغط الدم ....وهو نصح انقله من طبيب الصحة العامة الذي اكد لي مرات وبكل حزم : ضرورة تجنب متابعة " تونس 07 " ولم يسمح لي الا بمشاهدة الاحوال الجوية وليس في كل الفصول ....ولا تتركوا للفضول فرصة حتى لا تفيد الاحصائيات عندهم ان نسبة مشاهدة القناة البنفسجية تفوق نسبة مشاهدة الجزيرة .....

الأستاذ عمر الرواني .

محام وناشط سياسي





ليست هناك تعليقات: