الاثنين، 23 يوليو 2012

تجربة العدالة الثورية -الجزء الثاني-:::

عن اي عدالة انتقالية تتحدثون ..الجزء الثاني-


تجربة العدالة الثورية....


في التاريخ البعيد كانت الثورات والاضطرابات والصراعات تتسم بالدموية فالغالب والمنتصر كان يفعل ما يريد بالمهزوم بلا أي ضوابط ، فلو استثنينا تجربة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال لمن نصبوا له المكائد وحاولوا قتله وحاصروه وجوعوه وعذبوا اصحابه وقتلوهم ، قال لهم لما فتح مكة منتصرا " اذهبوا فانتم الطلقاء " واكتفى بالقول لمن قتل " حمزة بن عبد المطلب " ولّى وجهك عنيولم ينصب لهم المشانق ولم يحاسبهم على ما سبق ، ولكن ذلك تصرف نبوة ظل شاذا قياسا للصراعات الأخرى في تاريخ البشرية وخاصة في التغيرات الكبرى كالثورات ، فتليها دائما تصفيات واعمال قتل عشوائي لكل الخصوم بقطع النظر عن البحث عن الدور الذي كان يلعبه كل مشتبه ، فلا يختلف الحاكم الجديد في ممارسة القتل والتعذيب عن الحاكم الذي سبقه ، فيسقط ملايين القتلي ولا مسؤولية لأحد .


حدث في الثورة البلشفية في روسيا ، كما حدث في الثورة الفرنسية ام الثورات الحديثة المبشرة بالحرية والديمقراطية ، فقد تلاها قطع رؤوس الاقطاعيين ورجال الدين وسالت دماء بلا حدود ،


وفي منطقتنا العربية ، في مصر عبد الناصر وكل الأنظمة القومية الثورية (ليبيا والعراق وسوريا ,غيرها ) صدرت احكام بالقتل ونفذ القتل بلا احكام احيانا لمجرد شبهة مناصرة الآنظمة المهزومة ، ولم يختلف الوضع في ايران الامام الخميني رحمه الله ، فكانت تنصب المشانق لكل الذين كانوا جزءا من نظام الشاه بقطع النظر عن مدى حيز المسؤولية بالضبط التى كان هذا او ذاك يضطلع بها


فالى حدود اواخر السبعينات ومع نجاح الثورة الايرانية ، كانت الثورة تعني تصفية كل من ثار الشعب ضدهم من مسؤولين ، دون عناء البحث عن مدى تحقيق العدالة في حق هؤلاء ، ودون الالتفات كثيرا الى مدى مسؤولية كل فرد عما ارتكب من فعل شخصي وانما يحمل كل واحد مسؤولية جماعية عن الانتهاكات والفضائع في نظام سابق كان جزءا منه دون بحث عن الجرم المنسوب له شخصيا ،


كل هاته الفترات لم تنضج معها افكار حقوق الانسان ولم تولد مفاهيم ما يعرف بالعدالة الانتقالية بآلياتها النمطية والتى اصبحت تشكل استراتيجيا عالمية ومطامح شعبية كبرى للتعامل مع ارث انتهاكات الماضي ، ولكن لم يمت هذا النوع من العدالة في وقتنا الحاضر ، فقد وقعت عدة تصفيات وانتهاكات خلال الثورة الليبية ، كما نجد اليوم في مصر من يدعو الى العدالة الثورية خاصة بعد فشل القضاء في ادانة المتسببين في الانتهاكات بتبرئة نجلي مبارك ، بل وصل الأمر باحد نواب مجلس الشعب مصطفي النجار – عن حزب العدل - تقديم مشروع قانون للمجلس سماه" مشروع قانون العدالة الثورية " لا يختلف في مضمونه عما كان يحدث في تجارب العدالة الثورية التى سبقت الاشارة اليها .


ايجابياتها


فما يميز هذا النوع من العدالة "الثورية " ، هو سرعة التعامل مع ارث الماضي وهو امر ينشده المظلومون والمتضررون من الانتهاكات السابقة ، فلا يكادون يجدون مجالا للصبر ، فهم يظلون ينتظرون طيلة عمرهم النضالي مثل تلك اللحظة التى يحصلون فيها على حقوقهم ، فتشفى صدورهم وهو ما يساهم في اشاعة الطمانينة لدى الناس ، ويؤدي الى تحسن وانفراج ويساعد على الاستقرار والرضى العام ، بعدم افلات المجرمين من العقاب ،


فبمجرد صدور حكم مما يسمى بالمحاكم الثورية باعدام شخص واحد ثبت تورطه في جريمة قتل فانه يشفي غليل عائلة الضحية وعوائل كل الضحايا والناس عموما ويشعرهم بالعدالة فينتظرونها ويأملون بها كثيرا ، كما يؤدي الى انهاء كلي لفلول الثورة المضادة ، كما نجحت تلك التجارب الى حد ما في تحسن الوضع الاجتماعي للفئات الضعيفة ووجود طبقات وسطى واسعة العدد وتقلص ظاهرة الفقر والخصاصة عموما وشهدت تدخلا قويا للدولة للحد من البطالة وتاميم المنشئات الكبرى .


سلبياتها :


ولكن كثيرا ما تنزلق العدالة الثورية الى ظلم وانتهاكات "ثورية" ، فنظرا لسرعة عملها واستثنائية المحاكم التى تنشأ للنظر في انتهاكات الماضى وطبيعة تركيبتها الموالية للثوار ، فتجدها اقرب الى التركيز على الانتقام من سلوكيات الحكام والمسؤولين السابقين ، فبولائها للمنتصرين فانها قد تاتي على المذنب وعلى البرىء وقد تأتي على المذنب باكثر مما اذنب فتضمحل اهم مبادىء المسؤولية الجنائية وهي شخصية الجريمة وشخصية العقوبة ، ويعاقب الفرد طبق مسؤولية جماعية للنظام الذي كان ينتمي اليه وقد لا تكون له احيانا اية مسؤولية شخصية مباشرة عن الانتهاكات الكبرى ، فمجرد الانتماء للمنظومة القديمة يضع في جانبه قرينة ادانة بدل قرينة البراءة التى يتمتع بها كل الناس في الأوضاع العادية ،


بل وقد تنزلق تلك العدالة الثورية الى رفاق الأمس انفسهم فتصح مقولة ان الثورة تأكل ابناءها ، فيصبح كل مخالف للراي هدفا ايضا للمحاكم الثورية ، حدث في مصر عبد الناصر وايران الامام الخميني رحمه الله وفي كل العدالات الثورية تقريبا ، وفي كل الأحوال فان هاته التجارب خاصة في التغيير بالانقلابات قد تفرز رجوعا الى الانتهاكات وبطرق مختلفة واحيانا بطريقة اشرس واشد من الانتهاكات السابقة ، (مصر عبد الناصر والسادات ومبارك ) ، وليبيا القذافي وسوريا الأسد ، فكلها ظهرت مبشرة بمبادىء الحرية والعدالة ومقاومة الفقر والظلم وتحولت الى دكتاتوريات مقيتة ، وتصل في نهاياتها الى افقار الشعب باكمله وطغيان فئة او طبقة حاكمة ضيقة العدد مستبدة سياسيا وتستأثر بكل خيرات البلد اقتصاديا .


ومن ثمة كان البحث عن طريقة افضل واكثر عدلا للتعامل مع ارث انتهاكات الماضي للسلط المستبدة فظهرت مفاهيم ما اصبح يعرف بالعدالة الانتقالية وهي موضوع الجزء الثالث من هذا المقال

هناك 5 تعليقات:

Räumung يقول...

شكرا ع الموضوع

غير معرف يقول...

اليس من الأفضل تطبيق العدالة الثورية في تونس

غير معرف يقول...

اليس من الأفضل لتونس تطبيق العدالة الثورية لتحقيق الأهداف الحقيقية للثورة
ان امكن القول فعلا انها ثورة

مجموعة من الرسامين التونسيين يقول...

يبدو ان الوقت تاخر كثيرا لتطبيق العدالة الثورية في تونس و كما يقول المثل اشعيس فاتاتك ليلة الدخول يا مهبول كان دلك ممكنا في الاسابيع الاولى للثورة لكن الان يبدو ان الامر صعب الا ان تقوم ثورة اخرى

مجموعة من الرسامين التونسيين يقول...

يبدو ان الوقت تاخر كثيرا لتطبيق العدالة الثورية في تونس و كما يقول المثل اشعيس فاتاتك ليلة الدخول يا مهبول كان دلك ممكنا في الاسابيع الاولى للثورة لكن الان يبدو ان الامر صعب الا ان تقوم ثورة اخرى