الأربعاء، 8 أغسطس 2012

,....السياسة والاخلاق او حينما يلتقي المقدس بالمدنس




السياسة و الاخلاق .... حينما يلتقي المقدس بالمدنس...

اذا كان قدر هؤلاء الذين أوصلتهم الجماهير وقادتهم الأقدار قبل ذالك أن يكونوا في سدة الحكم بعد أن أسقطت ثورة جانفي نظام الأستبداد والفساد الذي تفشى كالسرطان في بنيان وكيان هذه الأمة المكلومة ، ويبدو أن قدرهم مواجهة فساد الحكام وتراكماته عبر السنين، وأن يتحملوا فساد النخب والساسة الذين أفسدوا الحكام، وزينوا لهم سوء أعمالهم، وأن يصلحوا فى أيام ما أفسده مَن قبلهم فى دهور، وأن يجاهروا بانتقادهم وشتمهم والتهكم عليهم ويصمتوا، وأن يتجاوزوا الحدود ويلتزموا، وأن يُجهدوهم فيجتهدوا لهم، وأن يتحملوا عبء ما أفسدوه ويصلحوا، وأن يتصدقوا بعرضهم على شعبهم ويسموا، وأن يسمعوا ما يسوءهم ويسكتوا، وأن يصبروا على الأذى ويعذرون، "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ"।
هم يقولون إن السياسة لا أخلاق فيها، ولاقت هذه المقولة ترحيبا كبيرا من عدد من هواة السياسة وصبيانها، حتى عمم بعضهم هذه المقولة على نفسه، فخلط بين السياسة التى لا أخلاق فيها وبين أفعاله وممارساته هو، فبرر لنفسه وللناس سوء أخلاقه مقدما، فالسياسة التى يعرفونها كعلم وكممارسة تدور حيث دارت المصلحة، وتكون حيث كانت الفائدة، بصرف النظر عن الطريقة، ذلك أن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وعلى قول ماركس انما الأحلاق قيد لا معنى له وتبعا لهذه الفلسفة تحلل بعض هواة السياسة وصبيانها من الأخلاق، وتخلى بعضهم عن بعض الذوق والأدب، وتخلى طواعية عن بعض الاحترام، وقلنا لا بأس فى سبيل المصلحة التى يتغنون بها، ولكنهم تحللوا أيضا من السعى لتحقيق المصلحة، فلا هم ظلوا على أخلاقهم قبل ممارسة السياسة، ولا هم حققوا مصلحة البلد التى تحللوا من الأخلاق بسببها، فظلوا يدورون بلا أخلاق فى حلقة مصلحتهم الشخصية، ولا عيب عندهم فى ذلك، فالكذب والتدليس والنفاق والرياء والمناورة والغش كلها مباحات فى ممارسة السياسة لدى البعض من هواتها، واسألوهم عما كانوا يقولون فى العهد الغابر.
كيف بهؤلاء حينما ينتقدون، وحينما يعترضون، وحينما يتلاعبون بالألفاظ، وحينما يتقعّرون فى الكلام، وحينما يظنون أنهم العلماء، وأن كلامهم هو الكلام، وتحذيراتهم هى الصواب، وحينما يريدون أن يوهموا الناس أنهم على الحق، والله إنى لأحترم أحدهم حينما يكون موضوعيا فى نقده، صادقا فى تعبيراته، مهما كان كلامه قاسيا، أما إذا كال بمكيالين، أو ازدوجت لديه المعايير فإنه يسقط من نظرى.. "كجلمود صخرٍ حطَّه السيلُ من عَلِ".
وإن تعجب فعجب قولهم "لا دين فى السياسة"، وقولهم "السياسة بلا أخلاق"، ونحن نريد أن نعرف ما محتوى هذه السياسة التى لا دين فيها ولا أخلاق، وما طبيعة الممارسات السياسية التى ستنطلق من سياسة لا دين فيها ولا خلق، وكيف نصدق هؤلاء أو نثق فى كلامهم، وهم أنفسهم تجنبوا بأنفسهم الدين والأخلاق، فماذا إذن عن ممارسة السياسة فى رمضان؟ ورمضان نفحة من نفحات الله، يعود فيه الناس إلى ما تفلت منهم، ويتمسكون بالأخلاق التى لم يتمكنوا من التشبث بها فى غيره، ألا يختلف الوضع فى السياسة قليلا؟ ألا يقل الكذب والزيف والاتهام بالباطل قليلا، ألا يتنفسون الصدق والحق قليلا، ألا يراجعون أنفسهم قليلا؟ أم سيظل بعض الذين يجتزءون فهما مغلوطا للسياسة يقومون بممارسات لا دين فيها ولا أخلاق فى شهر الدين والأخلاق؟
الى هؤلاء أقول: هذا هو الجو الذى تعملون فيه، وهؤلاء هم القوم الذين تتعاملون معهم، وهذه هى البيئة من الداخل، فإذا أضفنا إلى ذلك الفساد والإفساد الذى تمخضت عنه الفترة الغابرة، حينما كانت السياسة لا تقتصر على أنها لا دين فيها ولا أخلاق فحسب، بل كانت أيضا لا فهم لها ولا عقل فيها ولا ضمير عندها، فأنتم الآن داخل هذا الركام المقاوم لأى إصلاح، وأنت أمام هذا الفكر الناقد لأى عمل، وأنتم تواجهون هذه الفلسفات المعوجة التى تشوه كل جميل، وتفسد كل صالح، ومع ذلك كله نطلب منكم أن تمهدوا التربة، وتبذروا البذرة، وترووها بماء الحياة، وتتعهدوها حتى تنمو، وأن ترضوا كل فرد منا، كما نطلب منكم ألّا تتعبوا، ولا تمرضوا، ولا تشكوا، ولا تكِلوا، ولا تملوا. أرأيتم حالنا وحالكم؟ أنتم تدفعون ونحن نقاوم، ثم نلومكم أنكم لا تستطيعون أن تدفعوا شعبا .
ومع ذلك كله، وفى وسط هذا الجو الملبد بغيوم بغيضة، الملىء بخيالات مريضة، أطلب منكم أن تجعلوهم يرون كيف أن السياسة فيها أخلاق، وأن يشعروا بأخلاق الساسة حينما ينكرون ذواتهم، بل يلمسوا صدق السياسى المحنك، الذى يلوى عنق السياسة نحو فكره وتوجهه، ويطوّع ممارساتها وفق دينه وضميره، ولا تستطيع السياسة بكل قوتها أن تغريه بـ"لا أخلاقها" فإنها سيئة شأن "المرأة الحسناء فى المنبت السوء"، وأن جبروت ممارسيها وافتراءهم لن يستطيع أن يجذبه نحو شىء ولو يسير من تحللهم من الأخلاق.
نحن نثق أن قدرات الإنسان هبة من الله عظيمة، والقوى داخله يمكنها أن تدمر كل فساد بأمر ربها، إن هو أراد.. وسعى.. وتوكل، وإن أعظم ما اكتشفته البشرية فى عصرنا الحاضر هو أن يستطيع الإنسان أن يغير ذهنه وفكره من الداخل فيغير ممارساته ويغير دنياه من الخارج، لأجل ذلك كم أنا متفائل، وكم أحب التفاؤل والمتفائلين، ولذلك أنا أثق أنكم سترينهم –هم وساسة العالم– كيف تكون ممارسات السياسى حين يصدق، وأنكم ستُسمعهم منطق السياسى حين يتكلم، وكيف يكون كلامه عملا.. وفكره أملا.. وثقته كبيرة فى ربه وفى وعده وفى دينه، ثم فى نفسه وفى نجاحه وفى يقينه.
أعرف أنكم ستأخذون بأسباب النجاح كلها ثم تتوكلوا على الله، فالساسة لا يعرفون ماذا يعنى التوكل فى السياسة، فهو معنى دخيل على ذلك العالم؛ لأن أساتذتهم فى الغرب لم يشرحوه لهم، وذلك لسبب بسيط وهو أنهم لا يعرفونه أصلا، وقد حان الوقت الذى تعلموهم فيه كيف يكون العمل والتوكل هو أصل النجاح السياسى.
أعرف أنكم ستتعبدوا الله بممارسة السياسة، فالسياسة تكون عبادة حينما تقوم ممارستها على الانتفاع.. والنفع.. والقرب، شأنها شأن أى عمل يقوم به المسلم، فيكون الانتفاع على المستوى الشخصى ليتمشى مع فطرة الإنسان الذى يحب الخير لنفسه، ويكون النفع للناس الذين جابكم قدركم لتكونوا خداما لهم، ويكون القرب من الله سبحانه ليكتمل التعبد، بهذه الثلاثة تكون السياسة عبادة، ولكنكم إذا سألتم هواة السياسة وعبيدها المخلصين، فإنهم سيتندّرون على التعبد بالسياسة، ذلك أنهم لا يعلمون، ففَرْق كبير بين التعبد بأى عمل وعبادة العمل، والفرق نفسه بين المتعبدين بالسياسة وعباد السياسة، وبين أسياد السياسة وعبيد السياسة، وستكونوا أنتم بإذن الله أسيادها، نحسبكم كذلك، ولا نزكى أحدا على الله سبحانه.
محمد المولهي
نقابي وناشط سياسي

ليست هناك تعليقات: