الاثنين، 2 يوليو 2012

.البوليس و السلطة ...اثنان و الشيطان ثالثهما..

... البوليس والسلطة...اثنان و الشيطان ثالثهما...


...سؤال أصبح يؤرقني هذه الأيام ...هل حان الوقت لتحرير البوليس من أغلاله ؟؟؟ وهل توفرت الشروط لتحريره من الاغلال ؟؟؟ أعتقد أن الجواب لا وألف لا فالثورة لا زالت طرية ولم يشتد عودها بعد . يقول ألفريد هيتشكوك " أنا لست ضد الشرطة، أنا أخشى فقط منهم" ، و يقول الممثل الأمريكي تيرينس هوارد " دائما كان لدي الخوف الطبيعي من الشرطة أو من إساءتهم لاستعمال سلطتهم"
لماذا لا يجب التسرع في فك الاغلال لهذا البوليس ؟؟؟؟ هذا البوليس الذي يسكن في وجداننا الى يوم الناس هذا... هذا البوليس الذي لم يتحرر بعد يحمل مسؤولية الأغلال التي تصفده وكذلك يملك مفاتيح حريته التي لم تحن بعد...
إذاً فالخوف من البوليس لا يتوقف فقط على اللصوص والمخالفين للقوانين، ولكنه خوف فطري قد يتملك الإنسان الطبيعي لأسباب عدة، قد يكون منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي بسبب السلوك الاستفزازي للبوليس، والذي يتسم بالحدة و الاستعلاء والكبر والنرجسية في التعامل اليومي مع المواطنين في معظم الأحيان والأماكن، حتى أن الناس أصبحوا يخشون من المرور أمام أقسام الشرطة، فضلاً عن الدخول إليها أو التوقف في حملات التفتيش حتى وإن كانت معهم أوراقهم الثبوتية الكاملة، فلقد تملك الناس الخوف والشعور بفقدان الثقة، حتى أنهم باتوا يؤثرون السلامة بتحاشي التعامل مع البوليس، لأن المسألة لا تخضع للقانون وإنما للحالة المزاجية لضابط البوليس الذي يتسم معظمهم بسوء الأدب والقسوة وكأن المجتمع بجميع مواطنيه قد تحول أمام ضباط الشرطة إلى مجرمين ومنحرفين، فأصبحوا لا يقدِّرون حق المواطن، وذلك بسبب العقيدة الفاسدة و سوء التربية البوليسية والتي أخرجت لنا وحوشاً بوليسية بأشكال بشرية تفترس المواطنين كلما سنحت لهم الظروف، وكيف لا وهم يجدون التشجيع والدعم والمُساندة من مسئوليهم الكبار.
إن السلوك البوليسي البربري مع المواطنين ليس وليد اليوم، بل هل سلوك ممنهج تم تطويره على مدى عقود قبل الثورة، الأمر الذي يجعل من المستحيل تغييره بعد الثورة إلا من خلال القيام بثورة أمنية، تتغير معها العقلية الأمنية والقيادات والرموز البوليسية التي تدير هذا الجهاز الخطير في تونس.
ولكن السؤال هو مالذي دفع البوليس للوصول إلى هذا القدر من العدوانية والكبر والاستعلاء والوحشية في التعامل مع المواطنين؟
إن الإجابة على هذا السؤال تعود لأسباب عدة منها:
1- الشعور المفرط بالقوة والسطوة في ظل تطبيق التعليمات دون رقابة القانون.
2- ضياع مبدأ المحاسبة والمساءلة للمخالفين منهم نتيجة تواطؤ وتستر بعضهم على بعض.
3- ظهور التواطؤ في صفوف البوليس والتستر على المخالفات في حق المواطنين، الأمر الذي دعم فكرة إعادة بناء الأجهزة الأمنية.
4- خوف المواطنين من تقديم البلاغات والشكاوى لما يتعرضون له من انتهاكات خوفا من الانتقام والتنكيل.
ولقد كان من مظاهر كبر واستعلاء رجال البوليس قبل الثورة رفضهم للشعار الصحيح "الشرطة في خدمة الشعب والذي تطور بضغط من القيادات العليا والوسطى إلى "الشرطة والشعب في خدمة الوطن وبالطبع الوطن لم يكن تونس وشعبها بل كان في المنظور الأمني هو كل من هو أقوى وأعلى منهم قوة وسطوة وبطشا وتمضهر ذلك في حماية سلطة الحزب والزعامات ثم العائلة الحاكمة.
لقد كانوا يتعاملون مع المسئولين في نظام الدولة بهذا المنطق المعوج الذي لا يستند للكرامة الإنسانية وإنما لقوة السلطة وسطوة المال ناهيك عن تفشي الفساد في أجهزة الأمن كنتيجة طبيعية لعلاقات كبار الضباط برجال الأعمال المحميين والمشاركين في امبراطورية الفساد مع عائلة بن علي والطرابلسية ، الأمر الذي يدلل على فساد العقلية البوليسية وتحولها إلى عقلية إجرامية مكيافيلية تبرر الوسيلة للحصول على غاية هي أساساً ليست بنبيلة.
والنتيجة ما شاهده العالم من إرهاب وإجرام حقيقي في حق ثوار 17 ديسمبر 14 جانفي الذين واجهوا الموت بصدورهم العارية في ثورة إنسانية تعد من أنبل ثوارات التاريخ الإنساني رفعة وتحضر، وكان من نتائجها وقوع أكثر من 300 شهيد وفق المنظمات الحقوقية ومئات الجرحى والمصابين في حرب حقيقية بين جيش البوليس و شعب أعزل .
والمحصلة هي هزيمة ساحقة ومذلة من هذا الشعب الأعزل لجميع أنظمة القمع البوليسية والأمنية التي استخدمت كافة أنواع الأسلحة لكسر إرادة شعبية سلمية، ثم هرب هذا البوليس بين عشية وضحاها وتنازل عن ما تبقى من عنجهيته وبطشه الذي كان بالأمس عنوان ورمز النظام الاستبدادي الفاسد .البوليس ا لدي قرر الدفاع عن الدكتلتور ليكتب آخر سطور قصة البوليس الذي قرر التخندق مع نظام فاسد ضد شعب حر।
فتخندقوا مع الميليشيات التجمعية وعصابات المافيا التي تحكمت في رقاب العباد والبلاد وأطلقوا سراح السجناء الخطرين ليعيثوا في الأرض فساداً انتقاماً من الشعب الذي هزمهم في معركة الرديف وسيدي بوزيد وتالة والقصرين وحي التضامن والكرم وكل المدن والاحياء التي عوضتهم لحماية الوطن شعبا ومؤسسات عندما فروا كالجرذان ذات ليلة قرر فيها سيدهم تركهم للمجهول بعد أن أمن حياته وأسرته.
رأيناهم عندما كان يحتفل الشعب بأول عيد لثورته مكبلين ومصفدين بأغلال المهانة وهم ينظرون الى هذا الشعب يحتفل بثورته ويترحم على أرواح شهدائه ويتذكر أصحاب العاهات والمعاقين الذين خسروا أعينهم أو أجزاء من أجسادهم فداءً لتونس في حرب ضد البوليس ، إن الشعب له دين كبير لدى هذا البوليس لن يستطيع تسديده على مدار التاريخ.
إن مستقبل البوليس يبدو قاتماً، عندما يتكتم عن العملاء من الاعلاميين والسياسيين الفاسدين الذين تعاملوا معه وبطشوا بالمعارضين لسلطة الدكتاتور .... عندما أحرقوا ملفات الفساد وتقارير التخابر وأشرطة الخزي التي كانوا يفبركونها للشرفاء ولا نرى الشعب سيفرح كثيرا عندما يراه يتدخل في السياسة عبر هذه النقابات التي تنسق مع الفاشلين وجرحى الانتخابات وأصحاب المال الحرام الذين يتحينون الفرصة لإعادته الى مربع البطش و الاستبداد مرة أخرى ولا أعتقد أن الأمور ستسوى بين الشعب والبوليس خلال الفترة الانتقالية أو حتى بعدها، إن الحل لن يكون إلا من خلال بقائه مكبلا بالأصفاد الى حين وضع استراتيجية شرطية وأمنية جديدة تنفذ على محورين اثنين هما:
المحور الأول: معني بنزع فتيل الأزمة مع الشعب.
المحور الثاني : معني بإعادة بناء العقيدة الأمنية لرجال الشرطة والغاء مصطلح البوليس .
المحور الأول: وهو محور نزع فتيل الأزمة مع الشعب من خلال:
1- محاسبة كل من تورط في قتل أو تعذيب أو الإساءة أو الإهانة للمواطنين ومن تستر عليهم وصدور أحكام رادعة ضدهم، فمن يقتل مواطن بغير وجه حق يقتل. ومن عذب وأهان واعتدى على شرف المعارضين وسرق أرزاقهم يجازى بما فعله .
2- تقديم البوليس لاعتذار رسمي انتظرناه طويلاً عقب الرابع عشر من جانفي 2011 ولكنه لم يأت ليؤكد مدى التكبر البوليسي على الشعب العظيم.
3- تشكيل وفد من إدارة العلاقات العامة لزيارة عائلات الشهداء والجرحى لتقديم التعازي والاعتذار عن ما حدث وصرف رواتب شهرية مدى الحياة لأسرة كل شهيد من ميزانية الداخلية منفصلة عن ما تم صرفه لهم من ميزانية الدولة.
4- استكمال تطهير المنظومة الأمنية بعزل وفصل جميع القادة الأمنيين الكبار من الصف الأول والثاني.
5- حل البوليس السياسي ووضع ارشيفه على ذمة المجلس التأسيسي لدراسته والتصرف فيه في اطار العدالة الانتقالية
ونستطيع أن نقول أننا بحاجة إلى مراجعة شاملة للهوية الفكرية والأيديولوجية الأمنية لجميع أجهزة البوليس حتى تتسق مع قيم وثقافة الثورة التونسية الشعبية لاستعادة الشعب لسلطته فلا يحق أن يقوم الشعب بدفع رواتب ومكافئات وحوافز لجهاز يقتله ويهينه ويقمعه وما فعله الغنوشي في الحكومة الألتفافية الأولى ومن بعده الباجي في زيادة رواتبهم خير دليل على قابلية البوليس للتطويع ولهذا نريد استراتيجية أمنية لتحويل الجهاز الأمني من جهاز إلى مؤسسة أمنية تدار بفكر مدني لديها رؤية ورسالة أمنية تستند للقيم وحقوق الإنسان لتكون في خدمة هذا الشعب العظيم.
المحور الثاني: إعادة بناء العقيدة الأمنية لرجال الشرطة.
ولتحقيق هذا المحور يجب اتباع عدة نقاط هامة منها:
1- إعادة بناء جهاز البوليس وتحويله إلى مؤسسة تدار بفكر مؤسسي خدمي حديث و تغيير اسمها إلى مؤسسة خدمة المواطن بهدف تمدين الشرطة وتأهيلها لاستقبال مفاهيم "خدمة البوليس" للشعب.
2- العمل على تكوين مؤسسة شرطية لمكافحة الجريمة وعصابات المخدرات والمخالفين تخضع للقانون والتقييم الدوري والسنوي والمساءلة من مجلس الشعب المنتخب ديمقراطياً.
3- فحص جميع رجال الشرطة من الناحية النفسية للتأكد من سلامتهم النفسية خاصة من مشاعر السادية والعنف والاتزان الانفعالي.
4- فرز نتائج الفحص والتعامل معها وفق حالتين: حالات تحتاج إلى إعادة تأهيل ومعالجة نفسية، وحالات لا تصلح للعمل لابد من فصلها فوراً بهدف تلقينهم شرف الجندية وإكسابهم الولاء الوطني وتصحيح العقيدة " الأمنية " من حماية لنظام أو حكومة إلى حماية شعب ووطن
5- التزام الشرطة بتطبيق وتجسيد شعار "الشرطة في خدمة الشعب"
6- إشراك شباب الثورة او ابناء عائلات الشهداء والجرحى في العمل الشرطي الذي يتطلب احتكاك يومي مباشر للتخفيف من حدة غضب الشعب ويسهم في حل جزء من مشكلة البطالة ويبعد نهائيا عقلية الثأر
7- إعادة بناء منظومة القيم الشرطية وتدريبهم عليها من خلال برامج محددة للتدريب الأمني الأخلاقي والقيمي.
إننا بحاجة إلى بناء استراتيجية شرطية متكاملة تعليمية وتربوية، عسكرية وقانونية لإعادة بناء الهوية الفكرية والفلسفة الشرطية لرجل الأمن وإعادة تثقيفه بدراسة بعض العلوم الإنسانية والسلوكية وعلم النفس الاجتماعي.
8- العمل على تدريب الشرطة سلوكياً لإكسابهم المهارات الإنسانية الأساسية للتعامل مع المدنيين ومهارات الاتصال وخدمة الشعب وفن التعامل مع الناس والذكاء الاجتماعي.
9- وضع ميثاق شرف للأخلاقيات الشرطية توضع فيه معايير الأداء الشرطي وتحديد السلوكيات المقبولة وغير المقبولة في كافة مجالات الخدمات الشرطية التي تقدم للمواطنين.
10- تنظيف جهاز الشرطة من العمل مع المليشيات واللصوص ووقف توظيفهم كجواسيس على الشعب ووقف استخدامهم كأيادي قذرة للقيام بالعمليات المشبوهة لصالح ضباط الشرطة ورجال الأمن.
14- القيام بمسيرة صامتة يوم 14 جانفي كل عام، تخرج من وزارة الداخلية لتصل إلى ساحة 14 جانفي لوضع أكاليل الزهور وتقديم واجب العزاء تخليداً لذكرى شهداء الثورة.
أعتقد أننا جميعأً نؤمن بكلام الممثل تيرينس هوارد " بأننا جميعاً ودائما لدينا الخوف الطبيعي من الشرطة أومن إساءتهم لاستعمال سلطتهم، ولكن خوفنا ليس هاجساً دون دليل بل خوفاً دامغاً بدليل.
لهذ فالبوليس يجب أن يبقى مصفدا بالأغلال " مكتف" الى ان نستكمل تنظيفه وتطهيره واصلاحه حتى لا يعود لغيه...


محمد المولهي

هناك تعليق واحد:

Entrümpelung يقول...

شكرا على الموضوع