الاثنين، 18 يونيو 2012

السبسي.النداء الاخير.والجرعة الزائدة..


السبسي...النداء الاخيروالجرعة الزائدة.



الثقة التى بدا عليها السيد " سبسي " في خطابه " الرئاسي " الأخير على قناته الرسمية " نسمة " الملىء بتوجيهات الرئيس بورقيبة المملة وتعابيره المستهلكة امام تصفيق " قدّاشته " ورؤساء شعبه ، بدا لي في تشابه كبير مع خطاب مرشح الحزب الوطني في مصر " احمد شفيق " الذي خاطب به انصاره كرئيس قبل الأوان ، ولئن كان من السهل فهم لغة شفيق باعتباره مسنودا بالجيش المصري الذي ما زال يحكم البلاد ويدير شؤونها بحسب مخطط واضح لاستمرار مصر كحافظ امين للمصالح الصهيو-امريكية ولو على حساب مصلحة الشعب المصري المتطلع للحرية والعاضّ عليها بالنواجذ ،فان الأمر يظل غامضا بالنسبة للسيد " سبسي " ،فرغم فشل كل محاولة اشعال فتيل حرب اهلية مدمرة في تونس ، وفشل استدراج الجيش الوطني للعبة السياسة التى لا ولن ولم تتأقلم مع عقيدته لسنين طويلة ، فضلا عن عدم جاهزيته للحكم ، ورغم الرفض الشعبي الواسع الذي تلقاه كل مبادراته ، اذ لم يدخل مدينة الا وخرج منها مذؤوما مدحورا ، حتى كاد يستنفذ الذكري الطيبة الوحيدة في تاريخه السياسي الأسود وهي ايصال تونس -مكرها لا بطلا - لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي ، والتى يمن بها علينا كل يوم رغم انه كان مدفوعا لها تحت وطأة الثورة التى ما زالت متأججة وقتها ،
وقد فاتته في الحقيقة فرصة تاريخية ليكون رجل السياسة التونسي الوحيد في تاريخنا القريب الذي يغادر الحياة السياسية من الباب الواسع تاركا ذكرى طيبة للتونسيين ، ذلك لو اوفي بعهده باتمام الانتخابات ثم الرحيل عن عالم السياسة ، خاصة وهو يرفع الشعار البورقيبي التجمعي المنكشف زيفه " الصدق في القول والاخلاص في العمل " ولكنه اختار العودة عبر قنوات ضيقة جدا ملوثة جدا (زيقوات التجمع)। رغم كل ذلك فان السيد " سبسي " كان واثقا من عدة امور :


اولها : فشل الحكومة الحالية ، وايراد الأمر كحقيقة مطلقة دون عناء الاثبات ، عدى ما داب عليه كثير ممن لا يريد الخير لبلدنا ، من تحريض ضد السلفيين وكأن مقياس النجاح الوحيد لديهم هو مل ء السجون بالابرياء والمظلومين والعودة للعقوبات الجماعية ।والدخول في دوامة تفتح افق التدخل الاجنبي على مصراعيه ،

ثانيها : أنه الزعيم الملهم منقذ الأمة البورقبية التجمعية ، فهو الذي سيدفع بالعجلات الغارقة في الوحل بحسب تعبيره ، ونسي ان بنيته الجسدية وبنية حزبه الجديد لا تملك القوة الكافية لهذا الدفع ، وأنها استنفذت كل طاقاتها في المشاركة مع النظام السابق في تسونامي الفساد الذي ادى الى ثورة شعبية عارمة ، وشعارها اليوم "الغرق ولا انتم " وهو ما عبرت عنه الثورة في آخر واقوى شعاراتها " خبز وماء وبن على لا "

ثالثها : انه وجماعته سيصنعون التوازن المنشود في الحياة السياسية ومنع استفراد حزب النهضة بالسلطة لسنين طويلة قادمة ، ويبدو انه لا يؤمن بان هذا التوازن محكوم بصناديق الاقتراع ، ولكن محكوم بشرعية جديدة طلع علينا بها السيد " سبسي " وهي بدعة في مجال العلوم السياسية ، وسماها "شرعية الأداء " ، وطبعا هو الذي يقيم هذا الأداء بالارث البورقيبي التجمعي الذي تربى عليه ، فلا معنى عنده لشرعية الانتخاب ، فالاهم منها ان يكون السيد " سبسي " هو الذي يعطي شهادات الرضى ، فالدولة التى يريدها ليست الدولة التى يراها تتشكل ، لذلك فالشرعية الدستورية هى الأقوى في نظره ، وهي الوحيدة القادرة على انقاذ البلد ، رغم انها هي التى اغرقته في الدم والظلم والفقر والجهوية على امتداد ازيد من نصف قرن من الزمن ، وهو وثوق ذكرني بعبارة نظيره المصري المذكور " احمد شفيق " الذي قال باسلوب اكثر ركاكة من اسلوب السيد " سبسي " نحن عائدون شاء من شاء و لم يشأ من لم يشأ " ، ولكن يبدو ان حسابات السيد " سبسي " خاطئة ، فالدوائر الغربية التى يعول عليها كثيرا على ما يبدو ، لن تتحمس لعودته ، لأن دراساتهم الاستراتيجية لا يمكن ان تنزل الى هذا الحد من السذاجة لتراهن على الأوراق المحترقة حتى الرماد ، ولأن لعبة التوازنات تقول وان تونس اليوم اميل الى اللوبي الأنقلوسكسوني ، وهو في صراع مع اللوبي الفرنسي الذي يمثله السيد " سبسي " بامتياز وهو صراع غير معلن ولكنه مرير على النفوذ في المنطقة العربية وفي افريقيا بصفة عامة ،لأنها الأرض الوحيدة التى ما تزال عذراء تحتفظ بكل خيراتها فوق الارض وتحت الأرض ، وان الفريق الحاكم في تونس يبدو انه استفاد كثيرا من هذا الصراع ،ثم ان الغرب عموما يبحث عن حد ادنى من الاستقرار بالمنطقة ، وان صعود السيد "سبسي" لن يساعد على هذا الاستقرار بل على العكس قد يدخلها في حالة من الصراعات الأهلية غير المرغوب فيها حاليا في تونس وهي القريبة جدا جغرافيا وحتى ثقافيا الى حد ما من هذا الغرب ، ولكن الأهم من كل هذا ان السيد " سبسي " الذي يعترف انه لا علاقة له بالثورة التونسية ولم يشارك فيها مدعيا –رجما بالغيب - ان باقي القوى السياسية لم تشارك فيها ايضا ، ما زال يعتقد ان الثورة التونسية غمامة صيف سوف تزول ، وتعود " ريما لعادتها القديمة " ، ونعود للزمن الأول ، زمن الزعيم الملهم الذي عرف كل شىء وراى كل شى مثلما قال الفيلسوف اليوناني متحدثا عن نفسه "je suis Arias a tout vu tout connu " ، ومثلما قال بورقيبة عن الشعب التونسي " ceux sont des poussieres d individus وأنه هو الذي صنع منهم الأمة التونسية ، يجب ان يستفيق السيد " سبسي " من اثرالجرعة الزائدة التي ارتشفها من " سبسيه " ليفهم ان التاريخ لا يعود الى الوراء وان الشعوب العربية وخاصة الشعب التونسي اصبح هو المتحكم في مصيره ومستقبله ، وان له القدرة الكافية على الاختيار وان الدوائر الاجنبية هي جهات مؤثرة فقط وغير محددة واصبحت هي الأخرى تثق في الشعوب وتحترم ارادتها ، ففرنسا التى كانت وزيرة خارجيتها قبل ساعات من سقوط بن على تتوعد التونسيين ، لا يمكن ان تبقى على استراتيجيتها القديمة في التعامل مع شعبنا ، ان احتقار الشعب وارادته ، واعتبار راي السيد سبسي وشرعيته الجديدة التى ينادي بها فوق شرعية الشعب هو امر لا يمكن ان يرشح السيد " سبسي " ومن اجتمع حوله من بقايا التجمع المنحل وبقايا الهياكل العظمية للحزب الدستوري المنقرض مسنودين بموظفي الدولة المورطين في المال العام ورجال الأعمال الفاسدين ، لن يرشحهم لاقامة التوازن السياسي المنشود في تونس । ولا نعتقد أن السيد "سبسي " يخفى عليه مثل هذا الأمر ، بدليل انه يبحث عن شرعية جديدة لم نقرا عنها في ديمقراطيات الدنيا جميعا ، وربما لا نجدها الا في " جمهورية الكوع بوع" الافتراضية للسيد "سبسي ومن معه "


الأستاذ : عمر الرواني
ملاحضة للمناقشة و التعليق على المقال يمكنكم النضمام الى صفحتنا على الفايس بوك
يمكن التعليق على المقال في صفحة بوليس مكتف على الفايس بوك www.facebook.com/bouliss.mkattif









ليست هناك تعليقات: