السبت، 12 مايو 2012

بعد نصف عام من الحكم...الترويكا الى اين




بعد نصف عام من الحكم...الترويكا الى اين
انهكت ستون عاما من القمع المركّز كل فئات الشعب المناضلة ، فبعد الزواتنة والقوميين ( اليوسفيين )الذين شردوا وقتلوا نهاية الخمسينات ، كان دور اليساريين الذين قادوا حركة النضال في الستينات والسبعينات واعيتهم السجون فانخرط قسم كبير منهم في النظام السياسي القائم ودعموه ودافعوا عنه وتقلدوا مناصب عليا فيه فخسر اليسار كثير من مناضليه وبقيت قلة ثورية تقاوم الاستبداد ،
ثم برز بعد ذلك نجم الاسلاميين و جاءت المحرقة التى تعرضوا لها في اواخر عهد بورقيبة ثم في عهد بن علي ، فنالهم النصيب الأوسع من القمع وحطموا ارقاما قياسية في عدد سجناء الراي في تاريخ تونس ( عشرات الآلاف ) ، وفي عدد المنفيين اذ توزع جزء من مناضليهم على جل دول العالم تقريبا ، حتى كاد اليأس يدب الى النفوس ،
فلما تبخر او كاد حلم الثوريين اليساريين بثورة يقودها البروليتاريا و حلم الاسلاميين بثورة يقودها المستضعفون في الأرض ، اندلعت ثورة شعبية عارمة فاجأت الجميع ، فاعادت احياء نبض النضال فيهم جميعا لينضموا الى صفوف الثوار بل ولنجدهم في الصفوف الأولى ، فحمة الهمامي اقتيد للسجن ايام الثورة ، كما لا يمكن ان تمحي من الذاكرة صورة السيد سمير ديلو ( وزير حقوق الانسان الحالي ) وهو امام مقر وزارة الداخلية يشهر صدره في وجه بندقية رجل امن طالبا منه اطلاق النار يوم الرابع عشر من جانفي 2011 ، (وهو الرجل الذي ما عرفته الا ثوريا طيلة ايام الجامعة التى جمعتنا ثم بعد خروجه من السجن في المحاماة ،)
وانتصرت الثورة ،
وراينا الجميع يتقلد بهاءها ورونقها من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وحتى من ثارالشعب ضدهم ركبوا جوادها ونسوا ان الماضي لا يرحم فضلا عن كونه ماض قريب ما يزال حيا ينبض بيننا ،
وما تكلم احد الا خلته قائدا عظيما من قادة الثورة رغم اننا قبل ذلك لم نكن نسمع له ركزا ، فضلا عن ان اغلبهم كانوا مستفيدين او منهزمين او محرضين للنظام على المناضلين ،
ولكن عودة الاسلاميين للساحة السياسية كانت ملفته للنظر ، فالقوة والزخم الذي استعادوا به الثقة في انفسهم وفي الشعب كانت كبيرا ، والروح التى كانت تحركهم اقوى بكثير ، حتى لا نكاد نلحظ عليهم أي انهاك من قرون السجن التى نالها مناضلوهم زمن القمع القريب والبعيد ،
ولم يكن ممكنا وقف ذلك الزحف الاسلامي ، لا من الداخل لضعف باقي القوى اليسارسة والقومية من جهة ، وتشرذم القوى الانتهازية التى كانت في السلطة او تدور في فلكها ، ولا من الخارج لأن الأمر يتعلق بخيار شعبي واسع كان نتيجة ثورة عملت فرنسا مثلا ( المؤثر الأبرز سياسيا وثقافيا في بلدنا) ، عملت على اجهاضها بكل الطرق داعية صراحة بواسطة وزيرة خارجيتها الى وضع كل امكاناتها القمعية للغرض ،
واستطاع الاسلاميون تبني وبلورة اهم شعارات الثورة والذي اعتقد الجميع انه المدخل الوحيد لتحقيق اهدافها في القطع النهائي مع الماضى اشخاصا ومؤسسات ، وهو انتخاب مجلس وطني تأسيسي يعيد بناء مؤسسات السلطة السياسية المهترئة والمعطلة ، وذلك بصياغة دستور جديد في مستوى الثورة ، ولايجاد سلطة تنفيذية منتخبة وشرعية من شأنها ان تساهم في تهدئة الأوضاع والعودة من النطاق الثورى اللامحدود الى نطاق ثوري بنّاء يعيد صياغة الثقة بين السلطة والشعب ويعيد امل الناس في مستقبل افضل يكون رجالاته مختلفين عن النوعية التى سادتهم خلال كامل المدة الماضية منذ الاستقلال الى اليوم ،
وتوحد الشعب كله على هذا المطلب رغم الاحساس الدائم للقوى القومية واليسارية ، ويصل حد القناعة الراسخة لدى القوى الانتهازية من بقايا النظام ، بأن أي عملية انتخابية قد تفرز اغلبية اسلامية ، وقد لاحظنا ترردا ودعوة لتجاوزالانتخابات حتى بعد الاعلان عن تحديد موعد لها ، والاكتفاء بانتخابات رئاسية بعد تعديل بسيط للدستور واعادة نفخ الحياة فيه ، ولكن لم يصمد ذلك الطرح كثيرا ، واستسلم الجميع لخيار الصندوق ، وربما راهن آنذاك المعادون للاسلام السياسي على تأثيرات الضربة القاصمة التى وجهها النظام البائد للاسلاميين ( نهضويين ومن بعدهم سلفيين ) وانهم لن يستطيعوا تجميع قواهم بالسرعة المطلوبة وان مناضليهم اقل استعدادا في تلك المرحلة ،
وكانت الانتخابات ،
فافرزت نجاحا مبهرا للتيار الاسلامي ممثلا في حركة النهضة وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية القريب منه ، وكذا عدة شخصيات وطنية مستقلة محسوبة على الاسلاميين ، فكان نجاحا غير متوقع حتى من الاسلاميين انفسهم الذين راهنوا على ثلاثين بالمائة من المقاعد في افضل الأحوال ، دون ان يكونوا في الحقيقة على استعداد لتحمل مسؤولية قيادة البلد بمفردهم في تلك المرحلة الدقيقة ، فبحثوا عن تحالفات اوما اسموه بضرورة الوفاق الوطني لحكم البلاد وصنع مؤسساتها وقوانينها الكبرى ، سيما الدستور، بمشاركة الجميع ، لأن المرحلة تعد لأجيال قادمة وتهم كل التونسيين ،
واستطاع الاسلاميون والمؤتمر من اجل الجمهورية كسب حليف يساري معتدل وهو التكتل من اجل العمل والحريات ، ليشكلوا " ترويكا " متنوعة ممثلة لاكثرية اطياف المجتمع وتبدو قادرة نسبيا ومؤهلة منطقيا لقيادة البلد سياسيا ودستوريا ،
ورغم ما اتسمت به الانتخابات من نزاهة وشفافية غير مسبوقة في الوطن العربي كله ومشاركة جماهيرية واسعة فيها ، فان الأقليات الحزبية واللوبيات التجمعية الماسكة بزمام الادارة خصوصا في المستويات الوسطى والدنيا وحتى العليا في بعض الاحيان ، لم ترضها النتائج فاليساريون الثوريون يعتقدون ان صندوق الاقتراع لم ينصفهم ولم يجازهم الشعب بحجم مشاركتهم الفاعلة في الثورة ، والتجمعيون واليسار الانتهازي احسّوا بالتهديد المباشر لمصالحهم المكتسبة في عهد " صانع التغيير" ، وكذا تهديد نفوذهم من حكم الاسلاميين ومن معهم ، فساهم هؤلاء بشكل فاعل في تعطيل عمل الترويكا ،
فعلى مستوى المجلس التأسيسي لاحظنا انحطاطا في مستوى نقاش هموم البلد ، واستخفافا بعقول الناس ، وبرزت خطابات شعبوية بالية اقرب الى روح الكذب التجمعي المعهود ، ولاحظ الناس انتفاء روح المسؤولية لدى من سموا انفسهم بالمعارضة ، حال ان الوضع وضع استثنائي وكان ضروري توحيد وتجميع الصفوف للخروج بالبلاد من مازقها السياسي والاجتماعي الذي تعيشه والتسريع بالبناء القانوني للدولة ،
اما على المستوى الاجتماعي فقد غذت تلكم القوى الحراك الشعبي الذي ما زال به نبض ثورى ورغبة عارمة في تغيير اوضاعهم الاجتماعية بين عشية وضحاها معتقدين ان الأمر على غاية من السهولة ، وشهدنا توترات اجتماعية عدة وتعطيل لمراكز انتاج وطنية كبرى واعتصامات واحتجاجات ..وقطع طرق وو...كانت وسائل الاعلام سبّاقة لنشرها والتعريف بها ..وتغذيها بشكل او بآخر ، ولم نر انها تنشر ثقافة القانون واحترامه الا عندما اعتصم شباب امام مقر التلفزة ، ثمة فقط تحدث الاعلام عن ضرورة تفعيل القانون لوقف الاعتصامات رغم ان ذلك الاعتصام لم يعطل الانتاج التلفزي ولا عطل دخول العاملين او خروجهم ، ولم يتقبل الاعلام العمومي ان ضحاياه الذين كان يسميهم " ارهابيين " و "مجرمين " و" متطرفيين " وظلاميين " و "عصابات منظمة " و " مصطادين في الماء العكر "و " الحاقدين على تونس " و" حاسدي رجل التغيير على انجازاته " لم يتقبل الاعلام ان اؤلائك انفسهم هم الذين اختارهم الشعب الآن ومنحهم ثقته لوضع ملامح مستقبله ، لم يشأ ذلك الحاجز المعنوى ان ينكسر ويكسر معه بسرعة ما تربى عليه الاعلاميون لأزيد من نصف قرن من الزمن .

الا ان كل ذلك لم ينجح في زعزعة رجالات السلطة الناشئة ،

وسجلنا للترويكا حسن ادارتها كسلطة سياسية للصراع والحراك الاجتماعي ، اذ افلح قادتها سياسيا او امنيا او حتى حزبيا كل من موقعه في فك الاعتصامات بطريقة مستحدثة تعتمد الحوار والاقناع وتتجنب العنف في مجملها ، اذ لم نسجل سقوط قطرة دم واحدة ، كما لم تستجب لدعوات التحريض السياسي ضد هذا التيار او ذاك ومحاولة معاملة الجميع على قدم المساواة ، وبدأ الحراك الاجتماعي يتسم بالوعي والمسؤولية يوما بعد يوم ، واظهر عدة وزراء قدرتهم الكبرى على تعبئة الطاقات وتنظيمها وترويض كبرى الوزارات المارقة (السيد على العريض في الداخلية والسيد عبد الكريم الهاروني في وزارة النقل وغيرهم ) ،
وعموما فقد تدعمت قيم الحرية واصبحت من الثوابت التى لا يمكن المس بها مستقبلا ،
وما زال ينتظر الحكومة مجهود كبير لتركيز وتدعيم مبدأ التسامح وقبول الآخر ، فثمة كثير من الدعوات الي العنف والتمرد واثارة النعرات الجهوية ووصل الأمر الى حد الدعوة الى قتل الاسلاميين عموما ( عدنان الحاجي ) ، وهي نتيجة موضوعية لفكر استئصالي كهفي متجمد ، وثقافة نفي الآخر المترسخة في عقلية التحزب الايديولوجي البالي ،
كما لاحظنا فصلا دقيقا وواضحا في الأداء الحكومي بين الموقف تجاه الجريمة التى يرتكبها فردا معينا وبين حركات الاحتجاج الجماعية ، ويمكن القول انه : وداعا للعقوقبات الجماعية ،
فيجب محاسبة كل فرد بقدر ما اتاه من فعل وليس بقدر ما يحمل من افكار ومعتقدات ، ولا يعاقب انصاره ومريدوه بما يأتيه من افعال ، ف"كل نفس بما كسبت رهينة " ..والافكار والمعتقدات لا تشكل جرائم مهما كانت نظرتنا لها متطرفة او حداثية ، ويبقى التعامل مع الجريمة كجريمة في اطارها الضيق طبق مقتضيات القانون السائد ،
ومن ثمة شهد الوضع الأمني تحسنا كبيرا ، ولمسنا تطورا لأداء رجال الأمن ينمو يوما بعد يوم ، وترشّدا لعملهم اكثر فاكثر ، وبداية تساقط الحاجز المعنوى لديهم ، وهو الذي عطلهم عن اداء مهامهم في الايام الأولى للثورة ، ولاحظنا نمو الأفكار الجديدة لديهم ملخصها السقوط النهائي لمقولة ان الأمن في خدمة السلطة ، وبداية عهد الأمن الجمهوري الذي لن يكون مستقبلا الا في خدمة الشعب ،
ومن ثمة لن نخشى من المستقبل ،
فرجل الأمن اذا ما ترسخت لديه هاته الأفكار فلن يستدرج للقمع مستقبلا مهما كانت السلطة التى قد تخلف الترويكا ، والحرية ستصبح مكسبا لا محيد عنه ،
وهذا يحسب للنهضة وشركائها في الحكم ،
يبقى الوضع الاجتماعي على حاله تقريبا ، ولم يشهد المواطن اية بارقة امل ، وليس مهما ان نذكر بهذا الصدد ان مقاومة الفقر والتشغيل ، لئن كانت مطلبا جوهريا ايام اندلاع الشرارة الأولى للاحتجاجات ، فانها لم تعد اولوية في الايام الحاسمة للثورة ، فالشعار الذي طغى في النهاية هو " خبز وماء وبن علي لا " فالشعب كان مستعدا للخبز والماء والصبر حتى تعيد الدولة انفاسها ، المهم عنده الا يحكمه الفاسدون ، فهل تغير الشعب فجأة ولم يعد له مجال للصبر ، وانه يريد كل شىء الآن وهنا ، هل الى هذا الحد ، الم نر في الجنوب التونسي ابان الثورة الليبية انه شعب يقتسم رغيفه مع جاره الليبي ولا يتضور جوعا ، الم يصبر على ظلم بن على وهو على علم بفسادة طيلة عشرات السنين ، انه الشعب نفسه العظيم الذي لا ينحنى ،
كيف يمكن تشغيل قرابة المليون عاطل ، وكم مطلوب ان تشغل حكومة ورثت خزائن منهوبة وواجهتها اعتصامات عشوائية عطلت مسيرة الانتاج واعلام يحرض على الفوضى ، كم مطلوب منها ان تشغّل ، في اشهر قليلة ، حتى تنال الرضى ،
وقد أخطأ الكتور المنصف المرزوقي رئيس الدولة لما حدد مهلة للهدنة ، وكأن المجتمع يعيش حالة حرب مع نفسه ، او مع سلطة لم تكد تتسلم سلطتها ، ويربطها بستة اشهر وهي مدة جد قصيرة مقارنة بتاريخ الشعوب الثائرة التى تتطلب استقرارها عشرات السنين واكثر ، وكان من الاجدر مصارحة الشعب بذلك أفضل من ان نتركه يحلم بالجنة الموعودة والمفقودة في نفس الوقت على مستوى الاشهر القريبة القادمة على الاقل ،
ولكن المعتقد لدينا ان بضع سنين كافية في تونس لاحداث انطلاقة نوعية وربما قفزة نحو تنمية شاملة هي اقرب الى المعجزة ، ونحن نأمل في الشعب التونسي البطل تحقيق ذلك بقيادة من اختارهم ، وهو قائد الثورات العربية وثورات القرن العشرين عموما ،
ففي تركيا مثلا لما اعتلى حزب العدالة والتنمية الاسلامي السلطة منذ اثني عشر سنة ماضية كانت تركيا على شفا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ومكبّلة بالديون الغربية ، واقتصادها اضعف من الاقتصاد اليوناني ، ولكننا نراها الآن في ظرف وجيز تصبح من اكبر اقتصاديات اوروبا ، في ظرف وجيز ،
فقوة الارادة للشعوب وخروجها من دائرة العقلية الانتظارية والتسول الى عقلية العمل والفعل في التاريخ ، واقتران ذلك بنظافة يد حكامها ووطنيتهم والتعويل على قدراتها الذاتية ، هي من اسباب الانطلاق نحو الرقي والتقدم والقضاء على الفقر والبطالة وتحقيق الرفاهية والازدهار والعزة والكرامة للفرد والمجموعة ،
ومن ثمة فاني استمع جيدا الى من يطرحون مسألة اعادة النظر في منوال التنمية ، فالتركيز على التداين والارتهان للغرب او لدول الخليج او لأية قوى اجنبية سيكون عامل اعاقة لاقتصادنا ، ومنوال التنمية يجب ان يتخلص شيئا فشيئا من الارتباط بالاجنبي وعلينا ان نحاول صنع تنميتنا باموالنا وافكارنا وسواعدنا ، ويجب ان يكون ذلك خيارنا الاستراتيجي ،
وربما ثمة توجه جديد في الميزانية التكملية لاعتماد موارد داخلية بدرجة اولى للاقتصاد ، والتعويل على ذلك ،
كما لاحظنا طرحا من السيد رئيس الحكومة " حمادي الجبالي " وصل حد احداث صندوق خاص بالتشغبيل ، رغم ما تثيره فكرة الصناديق لدى التونسيين من شبهات موروثة عن صناديق السرقة في عهد بن على ،
ولكن في كل الأحوال لا يجب التفكير في اعادة امثلة فاشلة لمنوال تنمية سواء في دول اوربا الشرقية وحتى في عدة دول عربية ، وهو الذي يركز على ملكية الدولة وتحكمها الكامل في وسائل الانتاج مثلما نسمعه اليوم عن تأميم الثروات ، وربما يكون ذلك حلا وقتيا لمساعدة المناطق الداخلية المحرومة التى لها دين على الدولة لستين عام من الحرمان من فرص النمو ، ولكن لن يكون حلا دائما لثبوت فشله ، كما لا يجب علينا اتباع النموذج الغربي الذي يترك اليد لتسلط رأس المال بلا قيود ، فهو امر كارثي ايضا وبدات ملامح فشله تظهر في كثير من الدول الغربية (اليونان واسبانيا و البرتغال و ايطاليا ..)
علينا اختيار بل ابتداع نموذج تنمية تونسي خاص بنا ينبثق من ثقافتنا الاسلامية ولا باس بدرس التجارب الاسلامية الناجحة كماليزيا وتركيا والاستفادة منها خاصة وانها استطاعت الصمود امام اقتصاديات كبرى اتت على الأخضر واليابس وراس مال متغول كان اول ضحاياه عمال العالم وفقرائة ومستضعفيه ،
وعموما
فالملاحظ ان تحسنا كبيرا في الأداء الحكومي بدا يظهر يوما بعد يوم رغم بطء التأقلم مع المهام الجديدة : مهام السلطة ، وحكامنا قضّوا اعماراهم وكادت تستنزف طاقاتهم في مهام نضالية مع الاختلاف الكبير بين الدورين ،
فصعوبة التأقلم مع الوضع الاداري القديم ظاهرة للعيان ، وهو الذي كانت تحكمه العلاقات الفوقية الشبه عسكرية ، في حين ان ميزة العلاقات الجديدة هي الحوار والوقوف على مسافة واحدة تجاه المسؤولية في بلوغ المصلحة الوطنية ، فضلا عن ان بعض الاداريين بالرغم من كفاءتهم العالية فانهم تعودوا طيلة عشرات السنين على طريقة فاسدة في التسيير واحسوا بالتهديد الحقيقي لمصالحهم الشخصية الضيقة فعملوا ولا زالوا على عرقلة كل عمل في ظروف الشفافية وعلى ضوء الوضع الجديد ، واصبح يحدوهم حتى الأمل في عودة الآلة القديمة او على الأقل التحكم في السياسيين الجدد بقدر امتلاكهم للصنعة .
كما اتضح ان حكامنا يجدون صعوبة كبرى في التخلص بسرعة من رموز سياسية وسطى ودنيا (خاصة معتمدين وعمد ) وهؤلاء من اكثر المتضررين من الثورة ويسعون كل جهدهم لقطع طريقها ، وما يزالون في كثير من الأحيان يتحكمون في اتخاذ القرارت على تلكم المستويات ويساهمون بشكل كبير في توتير الأوضاع وتأزيمها وعرقلة كل نشاط حكومي ايجابي ...
كل ذلك رغم ان الشعب مل تلك الوجوه القديمة ولا يفهم مغزى بقائها لحد الآن .. ايها الحكام هاته المرة سنقول انكم انتم السبب في صورة أي فشل قادم لا قدر الله فلا عذر لكم اليوم ولن يغفر لكم التونسيون ابدا ان يستمر مصاصي دماءهم في مواقعهم .
وتظل انتظارات الشعب اكبر من كل انجاز حكومي مهما كبر ، ولكن لحد كتابة هاته الأسطر فان الانجازات الاجتماعية والاقتصادية على مستوى المشاريع الكبرى والتشغيل وخاصة في المناطق الداخلية ما زالت تراوح الصفر
، ..
فاي أمال يجب ان نعلق على مشروع الميزانية التكميلي ...والى أي حد يمكن ان يساهم في بداية الطريق نحو حلحلة الوضع الاجتماعي المتعثر ...
الأستاذ عمر الرواني محامي وناشط سياسي

ليست هناك تعليقات: