الأربعاء، 23 مايو 2012

السيد الفاطق الناطق..




السيد الفاطق الناطق.....


استبشرنا كثيرا بتعيين الحكومة لناطق رسمي باسمها ، وأحسسنا اننا سنشبه الدول الديمقراطية المتقدمة ، وسندخل عصر الشفافية من بابه الواسع ، وأن السيد الناطق سيطلع علينا كل اسبوع بحديث ( تماما كرئيس امريكا) ،
او على الأقل كل نصف شهر ليفيدنا يتصريح حول مستجدات الوضع العام بالبلاد ويبدد الشكوك ويعطى الحقائق كما هي ، ويطمئن الشعب ويملأه عزما للبناء واملا في المستقبل ،
وسمعنا ايضا عن ناطق رسمي آخر باسم رئيس الجمهورية ،
و لم يبق الا المجلس التأسيسي بلا ناطق رسمي لأن كل من فيه ناطقون رسميون ، وان كان له ايضا منسق مع الحكومة برتبة وزير لا نعلم ماذا نسق ،
ولكن لم نر اي من هؤلاء الناطقين ينطق ، فلئن نطق ديلو مرة واحدة تقريبا لما كان " نافحا " بهذا المنصب ، غير مدرك لمشقة جمعه مع وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية الأكثر ثقلا في حكومة ما بعد الثورة ، تسمية ومهاما ، فانه صمت بعد ذلك ، فشابه نطقه الأول كلمة عيسى عليه السلام ،
المعذرة لقد تكلم عدة مرات اخرى بعد ذلك ،
لا بوصفه ناطقا رسيما باسم الحكومة ولكن بوصفه ّ"مكذبا رسميا " او قل "مفتيا رسميا " او " مفسرا رسميا " او "مصوبا رسميا " لما زل به لسان هذا الوزير او ذاك العضو بالتأسيسي المحسوب على النهضة ، من لفظ عابر او جملة اعتراضية او حالة عاطفية اوغيرها مما يحدث عادة لمن بدأ يتحسس طريقا سياسيا ملغوما ..
،
حتى اصبحنا نشعر ان السيد ديلو وقع استنزافه بالكامل على كل الواجهات ، وكادت تحرق كل طاقاته الكلامية ومدخراته السياسية ، من سهولة تعامله الصحفي واعتماده لغة يفهمها عموم التونسيين ، الى اعطاء نموذج الاسلام السياسي المدني الحداثي جدا القريب من ثقافة التونسيين وميولاتهم ، وصولا لكسب حب الكثير من الناس ،
اما الناطق باسم رئيس الجمهورية فانه لا يكاد ينطق ابدا ، لأن الرئيس هو الذي ينطق ، فتارة يصيب وتارة ينطق عن الهوى ، فهو ما زال يتعلم النطق ويعدّ لانتخابات الرئاسة القادمة ولن يسمح لناطقه ان ينطق ، فنراه تارة يصعّد في لهجته ويرفع من صوته وتاره يخفض من صوته ويبحث عن مستقر لأسلوب متعثر ونبرة مرتبكة ، حتى يكاد يتملكني الشعور احيانا بانه يقوم بدور الرئيس وليس هو الرئيس نفسه ،
الملاحظ عموما أنه رغم وجود ناطقين رسميين الأول باسم الحكومة والثاني باسم الرئاسة ، وهو امر مستحدث لا يوجد في أي دولة في العالم الا في تونس الثورة ، لأن الأول تختص به الأنظمة البرلمانية والثاني تختص به الأنظمة الرئاسية ، بحسب الجهة التى تمتلك السلطة التنفيذية ذات العمل المتحرك الذي يتطلب متابعة يومية واعلام الرأي العام بمستجداته،
رغم وجود هذا الازدواج المرهق والهجين ، ورغم الحاجة الملحة للمعلومة الرسمية الغائبة منذ ستين عام ، فالملاحظ انه ثمة شغور في مهمة الناطق الرسمي ، فآخر تصريح للناطق الرسمي للحكومة بوصفه ذاك يعود لشهر جانفي وفي افضل الأحوال شهر فيفري 2012 ،
ومن ثمة لم الحظ له نطقا ، الا ان تكون حكومتنا المؤقرة تريد ان تعمل بصمت وهو امر في غاية الخطورة ، لأن الصمت اصبح ممنوع بعد الثورة ، فالشعب اضحى مشغوفا بالشان العام ، ولا يمكن كسب ثقته دون تزويده بالمعلومات الكافية في الوقت المناسب وبالشفافية المطلوبة لكل ما يهمه ويهم بلاده ،
ولن نقبل بالاحالة على صفحة " جديد الحكومة " ..على شبكات التواصل الاجتماعي ..ولكن يحب ان نرى المتحدث باسم الحكومه يمدنا بتفاصيل عملها وفحوى قرارتها وآليات تنفيذها ما دمنا اقرب الى النظام البرلماني ، وان كان الله يرى ما تفعلون فالشعب في حاجة الى من يريه اعمالكم ،
فحذار من الصمت ايتها الحكومة ، فلو عملت ليلا نهارا وحتى لو وصل الأمر الى حد توعك صحة كل وزرائك من قلة النوم ، لا قدر الله ، فلن يشعر بك أحد ولن يصدقك احد ما دامت الشفافية ومصارحة الشعب بالكبير والصغير غائبة وما دام ناطقك لا ينطق وانما غالبا ما يستنطق ،
ان الشعب اصبح يقشعر بدنه لمقولة العمل بصمت ، فطالما قيل لنا أن بن على يعمل بصمت ، وانه لا ينام الليل الا قليلا ، ولكن اتضح لنا أنه يسرقنا بصمت ، ولا ينام الليل الا خوفا منا ،
ولا اقارن هنا ابدا معاذ الله ،
ولكن اخشى ان تستمر الآلة القديمة في عرقلة كل جهد جاد مستغلة هذا الصمت ، واخشى ان تعجز الحكومة عن مواجهتها فتحتمي بالصمت نفسه ،
وعندها سنقرأ جميعا فاتحة الكتاب ، ومن الثوريين دقيقة صمت ، ترحما على روح الثورة ، فمقياس نجاح الثورات مدى القضاء على الفساد ،
نحن نحتاج الى ناطق ينطق كل اسبوع وبتغطية اعلامية واسعة محلية ووطنية واجنبية ليحدثنا عن مسار ثورتنا وعما عملته الحكومة ومؤسسات الدولة ليلا ويشهدنا عما تعمله نهارا ،
فأنا لا أعرف مثلا لحد الآن بالضبط أي افق ينتظر مدينتي ، الكاف ، ما نصيبها من التنمية ،
اعرف انها الأسفل في السلم ولكن كلى امل
(هل طريق سيارة ؟؟هل مصانع تحويل غذائي ؟؟ هل بعث مشروع فسفاط سراورتان ؟؟هل زراعة ملايين اشجار الزيتون في جنوب الولاية ؟؟ هل استغلال مخزونها المائي في زراعات سقوية كبرى ؟؟هل اسناد حق اولوية في التوظيف بمؤسسات الدولة اصلاحا لظلم ستين عاما ؟؟هل عودة الدولة للقيام بدور المستثمر لضعف راس المال المحلي واستحالة قدوم راس مال وطني او اجنبي لضعف البنية التحتية ؟؟؟
هل من منوال جديد للتنمية ينقذنا عموما من التبعية المذلة ، هل من اولويات جديدة تخرق قواعد الأولويات التى حطمت كياننا واهدرت طاقاتنا وجهلت ابناءنا وافقرت اهلنا ؟؟؟
فانا لا اعرف مستقبل ولايتي ولا اعتقد ان احدا يعرف مستقبل ولايته امام احلامنا التى لا تنتهي وانتظاراتنا الكبري لغد أفضل ..
كما نحتاج لأجوبة عن عدة سؤالات اخرى يطرحها شق من التونسيين "موازيين خلافيين " .
فقولوا لنا كل شىء ..اي شىء ...قولوا لنا حتى : لا شىء لكم عندنا ،
المهم عندنا ان تنطقوا ...
وارجو في النهاية الا تجيبني الحكومة بقول العاشق الذي لم يجرؤ على الكلام فانشد :
يترجم طرفي عن لساني لتعلموا ويبدو لكم ما كان صدري يكتـم
ولما التقينا والدموع سواجم خرصت وطرفي بالهوى يتكلـم
تشير لنا عما تقول بطرفـها وأومي الـيها بالبنان فتفهـم
حواجبنا تقضى الحوائج بيننا فنحن سكوت والهوى يتكلــم

عفوا ايتها الحكومة لا تعولي على الهوى فانه هو الآخر خرص ولم يعد يتكلم

الأستاذ عمر الرواني .
محـــامي

ليست هناك تعليقات: