الأحد، 3 يونيو 2012

اكدب..اكدب..اكدب...يثور عليك الناس...



اكذب ..اكذب ..اكذب ...يثور عليك الناس

هي ليست مجرد مقولة ، انها نظرية الكذب الممنهج التى تنسب لوزير الاعلام الالماني "جوزيف قوبلز " ايام " هتلر " الذي قال " اكذب اكذب حتى يصدقك الناس "
وتم توظيفها بنجاح في اقناع الالمان بان هتلر هو القائد الملهم ومنقذ المانيا والجنس الآري ، ليعتلي الرايخ الثالث الألماني بالانتخاب ، وذلك باعتماد الاعلام العمومي وصنع رموز وابطال وهميين يقع استخدامهم في صنع الكذب واعادة تصنيعه الى الدرجة التى لا توفر لعموم الناس فسحة لتحليل الخبر ودرسه وتقويمه فيصدقونه وهم اميل الى التلقي الكسول ،
الا المثقفين الذين لهم ملكة بديهية يستطعون بها تمييز الغث من السمين بالسرعة المطلوبة ، لذلك كان " قوبلز " صاحب النظرية يقول انه كلما سمع مثقفا يتكلم الا وجعل مسدسه في حالة استعداد للاجهاز عليه ،
وتسربت بعد ذلك تلك النظرية للحركة الصهيونية العالمية فصنعوا اكذوبة المحرقة اليهودية وبالغوا في الارقام وصدقوها واستمروا عليها الى ان احتلوا بها فلسطين ولا زالوا يبتزون بها العالم لبقاء الاحتلال ،
وتبنتها الامبريالية العالمية بعد ذلك ، فاحتل العراق وافغانتسان ، وقتل الملايين من ابنائنا بكذبة اسلحة الدمار الشامل ،واكذوبة نشر الديمقراطية ،
واستوردت الأنظمة العربية نظرية الكذب بعد ذلك ، فكانت كل حياتنا مبنية على الكذب ، فغالطنا العالم وغالطنا انفسنا بارقام التنمية المكذوبة وخلنا انفسنا في مطاف الدول المتقدمة
واستمرت آلة الكذب بعد الثورة ، اذ انتشر وذاع صيتها وسط تسونامي حزبي وسياسي لم يكن ليوجد اغلبه لولا الكذب ، وشهدنا اكذوبة العريضة الشعبية في ان كل شىء سيكون بالمجان وحتى "الشهريات" تصرف لكل المواطنين بلا اعمال ، واحرقت مدينة الكاف بكذبة يوم 05 فيفري 2011 وكادت تحرق باكاذيب اخري في الايام القليلة الماضية وعافاها الله من اشاعة او كذبة جديدة ليوم 04 جوان المقبل حتى لا ينحرف المطلب الشرعي في الحق في التنمية الى محرقة جديدة للمدينة المحترقة اصلا بنار الفقر والبطالة .
واستفحل الكذب عموما حتى اصبحت كلمة السياسة رديفة للكذب
وكلمة سياسي تعني كذاب ،
واستفحل الكذب السياسي بعد الانتخابات وخاصة لدى الطرف الخاسر ،
لأن الرابح ليس فقط لا مصلحة له فيه ، ولكن ايضا لاتوجد ضرورة لاباحته ، والأصل فيه الحرام عنده ، يقول تعالي " ﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ۖ وإن يك كاذبا فعليه كذبه ۖ وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ۖ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾ غافر 28
ففي المدة الأخيرة بالذات ما خرجنا من كذبة الا دخلنا في اخرى ،فمن كثرة ما سمعنا عن غلاء المعيشة حتى اذا نزلت الاسعار بقينا نراها مرتفعة ونحدق في اعين المارة التى صرنا نراها تقطر جوعا ، واننا على ابواب ازمة صومالية يونانية ، ومن كثرة ما سمعنا عن تكوين حكومة انقاذ وطني تقودها "كفاءات " اصبحنا نشعر ان البلد محكومة بها اصلا وانه لا توجد حكومة غيرها وانها مالكة عصى السحر لتخرجنا من كل الازمات ،
ومن كثرة ما سمعنا عن ارقامنا المتدنية في التصنيفات العالمية ، اصبحنا نشعر اننا على حافة السقوط الى هاوية التصنيف السفلي والافلاس الاقتصادي ، ومن كثرة ما سمعنا ان الحكومة فشلت كاد يصيبنا الفشل ،
ومن كثرة ما سمعنا من تحريض كدنا نعتقد اننا على ابواب حرب اهلية في " تونستان"
ومن كثرة ما سمعنا عن التشكيك في الشرعية قولا بان الانتخابات وحدها لا تصنع الشرعية ، اصبحنا نشك في كل مفاهيم الحداثة ، ووصل بنا الأمر حد كره الانتخاب ونبذ الديمقراطية،
عموما من شدة قتامة الوضع الذي يصوره لنا اعلامنا " الوطني " وضيوفه " الوطنيين الحداثيين " اصبح البعض يحن الى بن على ونظامه ويجاهر بذلك ، الى حد توزيع صوره في احد معاهد مدينة الكاف في اليومين الأخيرين ليعود فاتحا وقائدا للثورة الجديدة ، وهو لعمرى مطلبهم الخفي وغايتهم القصوى ،
ولكن الى أي حد يمكن ان يستمر الكذب في ايامنا هاته ،
لم تعد في الحقيقة الكذبة مهما فعلت فعلها فينا تعمّر طويلا ، فمن حسن الحظ ، نما الاعلام البديل وتميز بسرعة الانتشار ، ممثلا اساسا في شبكات التواصل الاجتماعي ،والذي يكون فيه الواحد منا باثا ومتقبلا في نفس الوقت ويتعامل مع شبكة معلوماتية مباشرة وحيّة ونابعة من ثقات واعزة واحبة واقارب يعتبرون شهود عيان ومراسلين في كل مدينة او قرية او حي ، وبسرعة قياسية ، بالصورة والصوت قد يتبعها تأكد مباشر عبر الهاتف او السكايب ،
فكما كان لهذا الاعلام البديل فضل في المساهمة في كشف كذب الطغاة ، فانه يكشف لنا اليوم افتراء عشاق الطغاة واصدقاء الطغاة و اشباه الطغاة ومشاريع الطغاة ، ويمثّل في كثير من الاحيان ذاكرة حية لكل من تسوّل له نفسه تدليس التاريخ او صنع البطولة ،
فحتى عجائزنا اليوم اصبحت تطلب منا فتح صندوقنا الاسود " الحاسوب " للتثبت من خبر اوردته تونس 07 او ما اسميها بقناة الجهوية 02 ،
فكثرة كذب هاته القنوات وضيوفها المبجلين الدائمين ، سواء بقتل الحقيقة او ايراد نصفها او جزء غير مهمّ منها او حتى تدليسها احيانا واختلاق خيال من الاخبار ، كأنها في غفلة من انها ليست وحيدة في رواية الخبر كما كان يحدث فيما مضى من الزمن البعيد ،
ان كثرة الكذب جعلتها وجل ضيوفها تفقد كل ما استطاعت ترميمه من مصداقية ،
خاصة وان التونسي اميل الى تصديق خبر من صديق او جار بطريقة الرواية المباشرة اكثر من ميله الى تصديق تلفاز ضعيف الذاكرة ، عرفه جيدا حتى كتب عليه "كذابا" منذ ازيد من نصف قرن ،
واضحت وسائل اعلامنا العمومي وبعض شركائها ، يستدركون ما فاتهم من تغطية للثورة الأصلية فيغطون بحمق الاستبداد وعمائه الثورة الموازية ،
ولكن هل يستطيع قليل من الصدق امتصاص كثير من الكذب؟
هل يستطيع الصدق ان ينجو بنفسه من غزوات الكذب؟
هل يمكن صنع اليات جديدة صادقة لمواجهة الكذب .؟
هل ينجح رفع شعار اصدق اصدق اصدق
حتى لا تفقد مصداقيتك عند الناس ،؟
هل له القدرة على التغلب على الشعار الموازي : اكذب اكذب حتى يصدقك الناس ،
ماذا لو تكررت الكذبة الف مرة ولم نسمع صدقا الا مرة ؟
هل قوة الصدق مرة تتغلب على كذبة تعاد الف مرة ؟
هل يزهق الصدق الكذب ولو بعد حين ؟
هل نصل يوما الى الاقتناع بالمقولة التالية : اكذب اكذب اكذب : لن يصدقك الناس ؟
ولن ينتخبك الناس ؟
الم يمت "قوبلز "صاحب النظرية منتحرا بعد ان دس السم لأبنائه وزوجته فقتلهم جميعا حتى "لا يشمت فيهم عدوّ بعده " على حد تعبيره ؟
ام هل نقف يوما على مسيلمة يعترف على لسان احمد مطر فيقول :
بِملءِ رغبتي أنا
ودونَمـا إرهابْ
أعترِفُ الآنَ لكم بأنّني كذَّابْ!
وقَفتُ طول الأشهُرِ المُنصَرِمـةْ
أخْدَعُكُمْ بالجُمَلِ المُنمنَمـةْ
وأَدّعي أنّي على صَـوابْ
وها أنا أبرأُ من ضلالتي
قولوا معي: إ غْفـرْ وَتُبْ
يا ربُّ يا توّابْ.

الأستاذ عمر الرواني : محامي وناشط سياسي

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

bravo un article bien ficelé..continuez